نام کتاب : نصرة الثائر على المثل السائر نویسنده : الصفدي جلد : 1 صفحه : 68
هذا هو المعنى الذي بني عليه البيت. وأما قوله: يكر على الرجال بكوكب، فمن لواحق القمر ألا ترى أن الجملة في موضع النصب على أنها صفة لقمر.
ومن العجيب أنه ادعى أن البحتري شبه العجاج بالظلم، والبحتري جعل العجاج نفسه ظلاماً. ولو أتى ذكر الظلام في عجز البيت، لدخل في المشبه به واندرج بين القمر والكوكب، وإنما جاء ذكره في أصل المشبه.
وما أحسن قول المعتمد بن عباد:
ولما اقتحمت الوغى دارعا ... وقنّعت وجهك بالمغفر
حسبنا محيّاك شمس الضحى ... عليها سحابٌ من العنبر
وقول ابن الزقاق.
لو كنت شاهده وقد غشي الوغى ... يختال في درع الحديد المسبل
لرأيت منه والحسام بكفه ... بحرا يريق دم العداة بجدول
وقول الغزي:
وقد سلب الطّعن الأسنّة لونها ... فعصفر في اللبّات ما كان أزرقا
وأسيافنا في السابغات كأنها ... جداول تجري بين زهرٍ تفتّقا
وقوله أيضاً:
وكم رعت من ملومةٍ لا تبين من ... فوارسها إلا الظبى والحمالق
تخوض النّجيع احمرّ تحت دلاصه ... كما نبتت حول الغدير الشقائق
وهذا مأخوذ من قول أبي الطيب:
تعوّد أن لا تقضم الحبّ خيله ... إذا الهام لم ترفع جنوب العلائق
ولا ترد الغدران إلا وماؤها ... من الدّم كالريحان تحت الشّقائق
ومما قلته أنا في هذا النوع:
وسيوفٍ إذا مضت في جراحٍ ... قلت هذا بنفسجٌ في شقيق
ينشد الجسم روحه من ظباها ... ودماها بين النقا والعقيق
وأما ما يشبه قول البحتري الذي أورده ابن الأثير، فقول أبي فراس فيما أظن:
وقفلت عنهم غانما وقلوبهم ... فيها لخوفك عسكرٌ جرّار
وأتيت يقدمك السّنان كما أتى ... قبل الصباح الكوكب الغّرار
قال: ومن التشبيهات الباردة قول أبي الطيب:
وجرى على الورق النجيع القاني ... فكأنه النارنج في الأغصان
أقول: لعمري إنه معذور في هذا، وهو من سقطات المتنبي التي ينحط فيها، وهذا البيت من تلك القصيدة التي افتتحها بقوله:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أولٌ وهي المحلّ الثاني
الأبيات الخمسة.
فانظر إلى هذا الافتتاح، وما أتبعه من الحكم والأمثال مع الفصاحة والبلاغة وفي هذه القصيدة مثل قوله:
وتوهموا اللعب والوغى والطعن في ال ... هيجاء غير الطعن في الميدان
ومنها يصف العدو المنهزم:
يغشاهم مطر السحاب مفصّلا ... بمهنّدٍ ومثقّفٍ وسنان
وقبل البيت الذي أورده ابن الأثير:
قد سوّدت شجر الجبال شعورهم ... فكأنّ فيه مسفة الغربان
ولما عكس أبو المطرف بن أبي بكر المخزومي معنى أبي الطيب في تشبيه نارنجة في نهر جاء حسنا. فإنه قال:
ومنظرٍ أرّقني حسنه ... من أزرقٍ ينساب كالأرقم
أبصرته يحمل نارنجةً ... طافيةً حمراء كالعندم
ودرّجت ريح الصبا متنه ... لمّا انبرت وهي به ترتمي
فخلته سيف وغىً مصلتا ... هزّ وفيه قطرةٌ من دم
وقال ابن فتحون في ذلك:
والماء فوق صفائه نارنجةٌ ... تطفو به وعجاجه يتموّج
حمراء قانية الأديم كأنّها ... وسط المجرّة كوكبٌ يتوهّج
فأتى بالمعنى في بيتين، وأبو المطرف في أربعة فأطال.
وذكرت بقول أبي المطرف، قول القاضي عياض رحمه الله تعالى:
كأنّما الزرع وخاماته ... وقد تبدّت فيه أيدي الرياح
كتائب تجفل مهزومةً ... شقائق النّعمان فيها جراح مناقشة نموذج آخر من إنشاء ابن الأثير
قال في القسم الأول من النوع الرابع في الالتفات، بعدما تكلم على ما في سورة الفاتحة من الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وفرغ من ذلك: فانظر إلى هذا الموضع، وتناسب هذه المعاني الشريفة، التي الأقدام تكاد تطؤها والأفهام مع قربها صافحة عنها.
نام کتاب : نصرة الثائر على المثل السائر نویسنده : الصفدي جلد : 1 صفحه : 68