نام کتاب : نشأة النثر الحديث وتطوره نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 112
يقول له: كن فيكون، كما قرن الهوى بالنوى، والقلب بالجوى، وقضى على المحب، ونشر العشق فلم يحتجب، ما الذي أغرى بك إلى الاعتساف، وعدم الإنصاف؟
ألين الأعطاف أم فتور الأجفان، أم تكسر الكلام، أم هيف القوام؟ لقد شددت أزرك -والله- بضعاف، واستمنت تلك العجاف، وهل وهل حدا إلى قطيعتي بك إني خشن الملمس، رث الملبس، ولم أمنح كما منحت نضرة، ولم ألبس برقع البياض والحمرة، فأعلم أنك إن نظرتني بعين الرضا، ورحمت فؤادا يتقلب منك على جمر الغضا، فستجدني صديقك الذي لا يبطره الوفاء، ولا يثنيه الجفاء، أملك لك من لسان، وأطوع لأمرك من بنان.
أكتب، فأين لعبد الحميد الكاتب قلمي؟ وأشعر، فأين الشعراء إلا تحت علمي، وأبذل، فأين حاتم من كرمي؟ وأحلم فأين أحنف من حلمي؟
وحسبك فخرا أن يجود بنفسه ... على رغب من ليس يأمل في الشكر
ومن يحتمل في الحب ما فوق كاهلي ... فحسبك حلمًا أن يقيم على الهجر
فإن أصخت إلى الداعية، ووعيت كلمات لا تسمع فيها لاغية، فإليك الجزاء وعلي الوفاء، وإلا فالفرار إلى الموت أمر يسير، والقبر للعشاق قليل من كثير".
ولعلكم لحظتم شدته في عتبه، وقسوته على حبه في مستهل رسالته، وأنه أنذره القطيعة، وأنه إذا وجد من يده ملالًا قطعها ومن رجله كلالًا جذها، ولم يقل كما قال قيس بن الملوح.
فيا حبها زدني جوى كل ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ثم نراه قاسيًا في إنذارها بأفول نجمعها وتقوض حسنها، وبعد ذلك يلين ويتشفع، ويصف ما يعانيه، ويصور ما يلاقيه، وأنه يتقلب على جمر الغضا، وألا سبيل إلى السلو، فإن بعد عنها فإلى الشقاء، وإن استجار بالبعد فإلى الرمضاء، وفي الحق إنه عبر عن عاطفته أتم التعبير، عاطفة المحب المدله، الذي كان يظن لنفسه مكانة في قلب الحبيب فقسوته دليل حبه، وصرامته علامة وجده، ثم عبر عن شدة تعلقه بها، وأن لا سبيل إلى هجرانها، وحاول بعد ذلك استرضاءها، والعفو عن زلته والتجاوز عن هفوته.
أما أسلوبه فأسلوب الأديب الذي يختفي بأسلوبه، وقد جاء معظمها مسجوعًا، كما أكثر من ألوان البديع وتعمده، وبخاصة الجناس والطباق، وإن كان لقوة أسره، ومتانة سبكه لا يظهر عليه التكلف والتعمد، كما ضمنه بعض الإشارات التاريخية، واستشهاده بالشعر كثير، وجاء الشعر في موضوعه تمامًا لا نبو فيه، ولا قلق، وقد آثرت أن أورد الرسالة كاملة لطرافة موضوعها، ولمكانة صاحبها؛ ولأنه لم يشتهر بهذا اللون من الكتابة، وقد كان حقًا في غاية اللباقة حين أطرى حسنها، ودلها، وساقه مساقًا لا يبعث فيه الزهو والكبرياء.
نام کتاب : نشأة النثر الحديث وتطوره نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 1 صفحه : 112