نام کتاب : نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار نویسنده : عبد الرحمن بن درهم جلد : 1 صفحه : 254
والحب: هو المحبة، وأحسن الأقوال فيه أنه مشتق من القلب وهي سويداه، كما قيل مثل ذلك في الشغف، والحب يسمى شغفاً إذا بلغ شغاف القلب، فأما كون الحب هو المتولد من أول نظرة، فلم يبعد من قال ذلك كما قيل:
كل الحوادث مبداها من نظرة ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في القلب صاحبها ... كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والمرء ما دام ذا طرف يقلبه ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقتله ما ضر مهجته ... لا مرحباً بسرور عاد بالضرر
وقد أجمعوا على أن العشق هو الداء العياء، وماله إلا وصل الحبيب دواء كما قال مهيار:
أشكيكم وإلى من أشتكي ... أنتم الداء فمن يشفي السقام
ومما ورد في العق، ورواه الهيثم بن عدي قال: أصبت صخرة مكتوب عليها العشق ملك غشوم، مسلط ظلوم دانت له القلوب، وانقادت له الألباب وخضعت له النفوس، فالعقل أسيره، والنظر رسوله، واللحظ لفظه يشهد بذلك ما قاله البحتري وذلك أن السيد المرتضى روى في الدرر عن يزيد المبرد، فقال لي البحتري: إني انصرفت يوماً من مجلس أبي العباس محمد بن يزيد المبرد، فقال لي البحتري: ما الذي افدت يومك هذا من أبي العباس؟ قلت: أملي علي أخباراً وأنشدني أبياتاً للحسين بن الضحاك، قال: أنشدني الأبيات فأنشدته:
كأني إذا فارقت شخصك ساعة ... لفقدك بين العالمين غريب
أغرك صفحي عن ذنوب كثيرة ... وعضي على أشياء منك تريب
وقد رمت أسباب السلو فخانني ... ضمير عليه من هواك رقيب
كأن لم يكن في الناس قلبي متيم ... ولم يكن في الدنيا سواك حبيب
إلى الله أشكو إن شكوت فلم يكن ... لشكواي من عطف الحبيب نصيب
فقال: هذا من أحسن الكلام يا بني، ثم أنشدني البحتري لنفسه:
حبيبي حبيب يكتم الناس أنهُ ... لنا حين تلقاه العيون حبيب
يباعدني في الملتقى وفؤاده ... وإن هو أبدى البعاد قريب
ويعرض عني والهوى منه مقبل ... إذا خاف عيناً أو أشار رقيب
فتنطق منا أعين حين نلتقي ... وتخرس منا ألسن وقلوب
ثم قال: أرو يا بني هذا، فإنه من أحسن الشعر وظريفه. وقال بعضهم وقد جعل الدمع كتابه تخاطبه:
ومراعة للبين تحسب أنها ... قمر على غصن تغيب وتطلع
كتبت إليك على شقائق خدها ... سطراً من العبرات ماذا أصنع
فأجبتها بلسان حال معرب ... ما في الحياة مع التفرق مطمع
وما أحسن قول بعضهم في إخفاء المحبة وإظهار الصد:
وخبرك الواشون أن لا أحبكم ... بلى وستور الله ذات المحارم
أصد وما الصد الذي تعلمينهُ ... عزاء بنا إلا اجتراع العلاقم
حياء وتقياً أن تشيع نميمة ... بنا وبكم أفٍ لأهل النمائم
وإن دماً لو تعلمين جنيته ... على الحي جاني مثله غير سالم
أما إنه لو كان غيرك أرقلت ... صعاد القنا بالراعفات اللهاذم
ولكنه والله ما طل مسلماً ... كبيض الثنايا واضحات الملاغم
رمين فاقصدن القلوب فلا ترى ... دماً مائراً إلا جوى في الحيازم
إذا هن ساقطن الحديث حسبته ... سقوط حصى المرجان من كف ناظم
قال الطغرائي: وقد أبدع غاية الإبداع بنظم يستوقف حسنه العيون والأسماع:
خبرها أني مرضت فقالت ... مرضاً طارفاً شكى أم تليدا؟
وأشار بأن تعود وسايدي ... فأبت وهي تشتهي أن تعودا
وأتتني في خفية تتشكي ... ألم الوجد والمزار البعيدا
ورأتني كذا فلم تتمالك ... فأمالت علي عطفاً وجيدا
نام کتاب : نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار نویسنده : عبد الرحمن بن درهم جلد : 1 صفحه : 254