وحكي أن المتوكل على الله قال لأبي العنيس الشاعر: أخبرني عن حمارك، وما كان من شعره في الرؤيا التي رأيتها قال: نعم يا أمير المؤمنين! كان أعقل من القضاة، ولو لم تكن له جريمة ولا زلة، فاعتل على غفلة، فمات فرأيته فيما يرى النائم، فقلت يا حماري ويلك ما لك مت؟ ألم أبرد لك الماء؟ وأنقي لك الشعير؟ وأحسن إليك جهدي؟ فلم مت غفلةظ وما خبرك؟ قال: إنك ركبتني يوم كذا وكذا ووقفت على فلان الصيدلاني تكلمه فرأيت أتاناً عند بابه فعشقتها فمت. فقلت له: هل قلت فيها شهراً؟ قال: نعم وأنشدني:
سيدي خذ لي أمانا ... من أمان الأصبهاني
هام قلبي بأتانٍ ... عند باب الصيدلاني
تيمتني يوم رحنا ... بثناياها الحسان
وبغنج ودلال ... سل جسمي وبراني
ولها خد أسيل ... مثل خد الشنفراني
فيها مت ولو عش ... ت إذن طال هواني
فقلت له يا حماري وما الشنفراني؟ قال هو شيء يتحدث به الحمير، فإذا لقيت حمراً فاسأله عنه. فطرب المتوكل وأمر المغنين أن يغنوا ذلك اليوم بشعر الحمار وزاد في جائزتي. قيل للفضل الرقاشي: إنك لتؤثر الحمير على سائر الدواب. قال: لأنها أرفق وأرفق. قيل: ولم ذلك؟ قال: لا يستدل بالمكان على طول الزمان، ثم هي: أقل داء، وأيسر دواء، وأخفض مهوى، وأسلم صريعاً، واقل جماحاً وأشهر فارهاً، وأقل تطيراً، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويعد مقتصداً وقد أسرف في ثمنه.
وحكي أن رجلاً كان له فرس يسمى: (الأبيلق) وكان يجريه فرداً ليس معه غيره، وكل ما مر به طائر أجراه معه، فأعجبه ما رأى من سرعته، فنادي قومه وقال: إني أردت أن أراهن على فرسي هذا، فأيكم يرسل معه، فقيل له إن الحلبة غداً. فقال: إني لا أرسله إلا في خطر. فراهنوه على ذلك. فلما كان الغد أرسله فسبق، فقال لكل مجرى نجلاء سابق.
وهنا وقف بنا جواد القلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف رسل الأمم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين وقد وقع الفراغ من كتابته في اليوم الحادي عشر من شوال سنة ألف وثلاث مئة وثلاث وعشرين من هجرة من له كمال الفخر والشرف.