لرب الحرون أبي صالح ... وما تلك بالنسبة العادله
ثم اشتراه مسلم من أعرابي بألف دينار فسبق عليه عشرين سنة وإليه تنسب الخيل الحرونية. ومن نسله: الغطيفي، فرس لبني غطيف قبيلة بالشام، وإليه تنسب الخيل الغطيفيات، ومنها: هراوة العزاب، وفرس الريان بن حوص العبدي وكان اسمها: سهوة، وإنما لقبت بهراوة العزاب؛ لأنه تصدق بها على عزاب قومه، فكان الأعزب منهم يغزو عليها، فإذا استفاد مالاً وأهلاً دفعها إلى غيره، وهكذا كانوا يتداولونها بينهم. قال عمرو المحاربي بن عبد القيس:
سقى جدث الريان كل عشية ... من المزن دكان العشي دلوح
أقام لفرسان العشيرة سهوة ... لهم منكح من حربها وصبوح
فيا من رأى مثل الهراوة منكحاً ... إذن بل أعطاف الجياد جروح
وذي إبل لولا الهراوة لم يثب ... له المال ما انشق الصباح يلوح
قال لبيد:
لا تسقني بيديك إن لم التمس ... نعم الضجوع بغارة أسراب
تهدى أوائلهن كل طمرة ... جرداء مثل هراوة العزاب
ومنها: ذو العقال، فرس سوط بن جابر اليربوعي، وأبوه (داحس) فرس قيس بن زهير العبسي. ومنها: الأعوج، فرس هلال بن عامر بن صعصعة، وسمي بذلك لأنه ركب صغيراً اعوجت قوائمه، وإليه تنسب الخيل الأعوجية، قال بشر بن أبي حازم:
وبكل أجرد سابح ذي ميعة ... متماحل في آل أعوج ينتمي
وقال طفيل بن عوف:
بنات الوجيه والعزاب ولاحق ... وأعوج تنمى نسبه المتنسب
وقال الأديب إبراهيم الساحلي:
ركبوا إلى الهيجاء كل طمرة ... من نسل أعوج أو بنات الأبجر
من كل مخضوب الشوى عبل التوى ... عاري النواهق مستدير المحجر
ألوي بقادمتي جناحي أفتح ... ولوى بسالفتي غزال أغفر
وإذا زحفنا أشوسياً مبصراً ... ظل الفوارس في الظلام المعكر
من أحمر كالورد أو من أصفر ... كالتبر أو من أشهب كالعنبر
وبكل صهوة أجرد متقضب ... إلاّ إذا ضحك السنان السمهري
وقال ابن خفاجة:
وقد جال دمع القطر في مقلة الدجى ... ولفت نواصي الخيل نكباء زعزع
له من صدور الأعوجية والقنا ... شفيع إلى نيل الأماني مشفع
وظفره في ملتقى الخيل ساعد ... ألف وقلب بين جنبيه أصمع
وأبيض يتلو سورة الفتح ينتضى ... ويستقبل الفرق الكريم فيركع
ومبخر ضخم الجرارة أوحد ... يطير به تحت العجاجة أربع
وحصداء تزري بالسنان حصينة ... ووجه وقاح بالحديد مقنع
وقال ابن خلوف الأندلسي:
وأشهب يعبوباً وطمراً مضمراً ... طموحاً مروعاً أعوجياً مطهما
جرى هازياً بالبرق والريح مسرعاً ... فدارك ما عن نيل أدناه أحجما
تضمخ بالكافور والمسك وارتدى ... وداء ظلام بالصباح تسهما
أشم لجين المتن أعين سابحاً ... أقب غليظ الساق أجرد صلدما
قصير المطا والرسغ أتلع صافناً ... طويل الشوى والذيل أعظم شيظما
تخيل سرحاناً وساير كوكباً ... ولا حظ يعفوراً ولاعب أرقما
فأسرج لما أن توقب جارحاً ... والجم لما أن تثاوب ضيغما
فلم أر بدراً مسرجاً ذا محاسن ... سواه وبرقاً بالثريا ملجما
وأروق ضخم الكف أعوج باذلاً ... بترك رحيب الباع أقود أيهما
ذلولاً لؤوباً شدقمياً مكلثماً ... أموتاً صموتاً أرجلياً حثمثما
إذا خب عاينت الحرون وداحساً ... وإن سار أنساك الجديل وشدقما
فريت به فود الفلاة ولم أزل ... أروح وأغدو طائراً ومحوما
وقد تقدم الكلام على الأعوج الأكبر والأصغر، وزاد الراكب والحنفا والغبرا والعسجدي (في آهر الفصل الثاني من الباب الخامس) ومنها: أطلال، فرس بكير بن شداد بن يعمر الشداخي، كانت تحته يوم القادسية، وقد أحجم الناس عن عبور نهرها، فصاح بها بني أطلال فوثبته، وكان عرض النهر ثلاثين ذراعاً. ومثل هذا قد وقع مع سيدي الوالد قدس سره، فإني سمعت منه أنه ركب يوم (أرهيو) من أيامه مع دولة فرنسا فرسه الكميت اسماً ولوناً، وقد ألجأه الأمر إلى وثوب نهره وكان عرضه ثلاثين ذراعاً فشد على الفرس فوثبه من الجانب إلى الجانب.