فلو امرؤ القيس ابن حجر زارها ... قدماً تسلى عن معاهد ماسل
لو حام حول فنائها وظبائها ... ما كان مختفلاً بحومة حومل
فاذكر لها كلفي بسقط لوائها ... فهواي عنها الدهر ليس بمنسل
كم جاد فيها الزمان بمطلب ... جادته أخلاق الغمام المسبل
واعمد إلى الصفصيف يوماً ثانياً ... وبه تسل وعنه دوماً فاسأل
وإذا تراه من الأزاهر خالياً ... أحسن بعه عطلاً وغير معطل
ينساب كالإثم انسياباً دائماً ... أو كالحسام جلاه كف الصيقل
فزلاله في كل قلت قد حلا ... وجماله في كل عين قد حلي
واقصد بيوم ثالث فوارة ... وبعذب منهلها المبارك فانهل
تجري على در لجيناً سائلاً ... أحلى وأعذب من رحيق سلسل
وأشرف على الشرف الذي بإزائها ... لترى تلمسان العلية من عل
تاج عليه من المحاسن بهجة ... أحسن بتاج بالبهاء مكلل
وإذا علشية شمسها مالت فمل ... نحو المصلى ميلة المتمهل
وبملعب الخيل الفسيح مجاله ... أجل النواظر في العتاق الجفل
فلحلبة الأشراف كل عشية ... لعب بذلك الملعب المتسهل
فترى المجلي والمصلي خلفه ... وكلاهما في جريه لا يأتلي
هذا يكر وذا يفر فينثني ... عطفاً على الثاني عنان الأول
من كل طرف كل طرف يستبي ... قيد النواظر قتنة المتأمل
ورد كأن أديمه شفق الدجى ... أو أشهب كشهاب رجم مرسل
أو أحمر قاني الأديم كعسجد ... أو أشقر يزهو بعرف أشعل
أو من كميت لا نظير لحسنه ... سام معم في السوابق مخول
أو أدهم كالليل إلاّ غرة ... كالصبح بورك من أغر محجل
جمع المحاسن في بديع شياته ... مهما ترق العين فيه تسفل
عقبان خيل فوقها فرسانها ... كالأسد تنقض انقضاض الأجدل
فرسان عبد الواد آساد الوغى ... حامو الذمار أولو الفخار الأطول
فإذا دنت شمس الأصيل لغربها ... فإلى تلمسان الأصيلة فادخل
من باب ملعبها لباب حديدها ... متنزهاً في كل ناد أحفل
وتأن من بعد الدخول هنيهة ... واعدل إلى قصر الإمام الأعدل
فهو المؤمل والديار كناية ... والسر في السكان لا في المنزل
وقال الوزير أبو عبد الله بن زمرك الكاتب في وصف جياد السلطان الغني بالله:
لك الجياد إذا تجري سوابقها ... فللرياح جياد ما تجاريها
إذا انبرت يوم سبق في أعنتها ... ترى البروق طلاحاً لا تباريها
من أشهب قد بدا صبحاً تراع له ... شهب السماء فإن الصبح يفخيها
إلاّ التي في لجام منه قيدها ... فإنه سامها عزّاً وتنويها
أو أشقر مرعب شقر البروق وقد ... أبقى لها شفقاً في الجو تنبيها
أو أحمر جمرة في الحرب متقد ... يعلو لها شرر من بأس مذكيها
لون العقيق وقد سال العقيق دماً ... بعطفه من كماة كاد يدميها
أو أدهم ملء صدر الليل تنعله ... أهلة فوق وجه الأرض يبديها
إن حارت الشهب ليلاً في مقلده ... فصبح غرته بالنور يهديها
أو أصفر بالعشيات ارتدى مرحاً ... وعرفه بتمادي الليل ينبيها
مموه بنضار تاه من عجب ... فليس يدعم تنويهاً ولا تيها
وقال ابن الأحمر من قصيدة يمدح بها السلطان الغني بالله ويذكر جياد خيله:
والعاديات إذا تلت فرسانها ... آي القتال صفوفها تترتل
لله خيلك إنها لسوابح ... بحر القتام وموجه متهيل
من كل برق بالثريا ملجم ... بالبدر يسرج والأهلة ينعل
أوفى بهادٍ كالظليم وخلفه ... كفل كما لاح الكثيب الأهيل
هن البوارق غير أن جيادها ... عن سبق خيلك يا مؤبد تنكل
غداة غدت من أبلق ومجزع ... وورد ويحموم وأصدى وأشقرا
ومن أدرع قد قنع الليل حالكاً ... على أنه قد سربل الصبح مسفرا
وأشعل وردي وأصفر مذهب ... وأدهم وضاح وأشهب أقمرا
وذي كمتة قد نازع الخمر لونها ... فما تدعيه الخمر إلاّ تنمرا
محجلة غراً وزهراً نواصعاً ... كأن قباطياً عليها منسرا
وأدهماً إذا استقبلن كأنما ... عللن إلى الأرساغ مسكاً وعنبرا