ثم قال قيس لحذيفة أعطني سبقي فأعطاه السبق، ثم إن جماعة من قوم حذيفة ندموه على ذلك، ونهاه آخرون وقالوا إن قيساً لم يسبق إلى مكرمة، وإنما سبقت دابة دابة فأبى، وبعث ندبة ابن حذيفة إلى قيس يطلب منه السبق فقال قيس: هذا سبقي فكيف أعطيكم إياه فتناول ابن حذيفة من عرض قيس، وأغلظ فطعنه قيس برمح فدق صلبه. فاجتمع الحيان وأدوا دية المقتول فأخذها حذيفة دفعاً للشر. ثم إن قومه ندموه، فعاد الشر بينهم فتحمل قيس بمن معه من قومه ورحل، وقامت الحروب بين الحيين إلى أن قتل مالك أخو قيس، وكان الربيع بن زياد معتزل الحرب، فلما بمقتل ابن أخيه شق ذلك عليه وقاتل بني ذبيان وأنشد:
من كان مسروراً بمقتل مالك ... فليأتِ نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبنه ... يطلمن أوجههن باٍحار
قد كئن يخبئن الوجوه تستراً ... فالآن حين بدون للنظار
يضربن حر وجوههن على فتى ... عف الشمائل طيب الأخبار
أفبعد مقتل مالك بن زهير ... يرجو النساء عواقب الأطهار
ومن عادة العرب أنها لا تندب القتيل حتى يؤخذ بثأره، ثم توالت الحروب بينهم وكان أعظمها يوم الهباءة، وسئم قيس من القتال، فذهب إلى أخواله بعد أن مات الربيع وأكل بعض القوم بعضاً، فقام في الصلح الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريان، وحملا لحملات واجتهدا في إصلاح ذات البين، وفي ذلك يقول زهير بن أبي سلمى:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
والعسجدي فرس لبني أسد من نتاج الديناري بن الهميسع بن زاد الراكب، وأما الآن، فإنهم ينسبون الفحل لأمه. ومن الخيل المشهورة، خيل مشايخ بني ظافر، قبيلة بين بغداد والبصرة، والعرب يضنون ببيعها، لأن عادة العرب في بيع إناث الخيل مختلفة. فمنهم نصف فرسه ويسقط حقه من الانتفاع بركوبها بتسليم رسنها إلى المشتري في مقابلة علفها، ويكون للبائع في أولادها النصف، فإذا أنتجت أنثى ورضعت مئة يوم كان المشتري مخيراً في ربط إحداهما وتفويض الأخرى على البائع. وإن أنتجت مهراً، يكون الربع منه لرابطه في مقابلة علفه وتربيته. هذا إذا لم يكن بينهما شرط، وإلا فالشرط هو المعتبر، ويسمون هذا البيع هجرياً ومنهم من يبيع فرسه بشرط أن يكون له الأولى مما تتنجه من الإناث، أو الثانية أو الأولى والثانية، فإذا ولدت أولاً أنثى أشهد المشتري عند نتاجها، بأن هذه المهرة للبائع، ثم يرضعها مئة يوم ويسلمها له، إن علم محله وإلا فيبقيها عنده، فإن حضر البائع قبل بلوغها سن الركوب يطلب منه ثمن علفها وأجرة تربيتها من حين تمام مدة رضاعها ويسلمها له. وإن جاء بعد ركوبها كان للمشتري منها الربع مقابلة علفها وتربيتها، وكذا يعامل في الثانية والثالثة. هذا إذا لم يكن بينهما شرط، وإلا فالشرط أملك. ويسمون البيع بيع المثاني، ومنهم من يبيع فرسه بيعاً باتاً، وهو نادر، ويسمون هذا البيع قلاطاً.
ومن الخيل المشهورة أيضاً خيل بجبل أوراس بين تونس وقسنطينة. وفي السقراطية أن الصحابة رضي الله عنهم، لما فتحوا إفريقيا فضلوا تلك الخيل على خيل الشام.
الباب السادس في تقفيزها وأطوارها وخدمتها والإنفاق عليها وتأديبها وكيفية تضميرها وعلاجها. وفيه ستة فصول
الفصل الأول في التقفيز
ينبغي أن يكون في فصل الربيع لتكون ولادة الفرس فيه، لأن المولود في الشتاء لا ينجح، ويختلف وقته باختلاف الأقاليم. ففي الإقليم الحار تقفز في شباط، وفي المتوسط في نيسان، وفي البارد في أيار، ليأكل الفلو القصيل، ويكون قوي البنية صحيح البدن.
وفي دمشق يقفزون الخيل مرتين في السنة، أولاهما في الربيع والثانية في الخريف عند قطف الزيتون، ولذا يسمونه الزيتوني، لإدراك نبات الفصة والبيقية عند نتاج الفلو فيتغذى منهما.
وينبغي أن تكون الفرس عند النزو في أرض منحدرة، ليتمكن منها الفحل، وأن يجعل قبل وجهها غزال ليأتي الفلو مشابهاً له في الخلقة، وأن يغسل ذكر الفحل وفرج الأنثى بعد النزو بماء بارد وتسير سيراً عنيفاً كيلا تلقي ماء الفحل من رحمها وتلتزم الراحة ولا تطعم الخضرة ولا تسمع صهيل فحل، إلى أحد وعشرين يوماً. فإن انكمش الفرج وسال منه شبه المني ونفرت من الفحل فقد علقت، وإلا أنزي عليها الفحل مرةً أخرى.