ذكر الأصمعي أن ثلاثة من العرب لا يقاربهم أحد في وصف الخيل: أبو دؤاد، والطفيل، والجعدي، فأما أبو دؤاد فكان على خيل النعمان بن المنذر، والطفيل كان يركبها وهو أعزل إلى أن كبر، والجعدي سمع أوصافها من أشعار أهلها فأخذها عنهم، وقال أبو عبيدة: إن أبا دؤاد أوصف الناس للفرس في الجاهلية والإسلام وبعده طفيل الغنوي والنابغة الجعدي، وقال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة عالماً بأوصاف الخيل وكان يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلاّ عرفتهما وعرفت فارسيهما. وعن ابن الأعرابي قال: لم يصف أحد قط الخيل إلاّ احتاج إلى أبي دؤاد، والخمر إلاّ احتاج إلى أوس بن حجر، ولا النعامة إلاّ احتاج إلى علقمة بن عبدة، ولا الاعتذار في الشعر إلاّ احتاج إلى النابغة.
وروى المسعودي عن محمد بن عبد الله الدمشقي قال: "لما انحدرنا مع المتقي بالله من الرحبة وسرنا إلى مدينة غانه فدعا بالرقي وغلامه للمسامرة فاتصل بهما الحديث إلى ذكر الخيل فقال المتقي أيكم يحفظ خبر سلمان بن ربيعة الباهلي، قال الغلام: ذكر عمرو بن العلاء أن سلمان كان يهجن الخيل ويعديها في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاءه عمرو بن معدي كرب بفرس كميت فهجنه فاستعدى عليه عمرو وشكاه إليه فقال سلمان ادع بإناء رحراح قصير الجدر، فدعا به، فصب فيه ماء، ثم أتى بفرس عتيق فمد عنقه وشرب ثم أتي بفرس عمرو الذي هجن فمد عنقه كما فعل العتيق ثم ثنى أحد السنبكين قليلاً فشرب فلما رأى ذلك عمر رضي الله عنه قال أنت سلمان الخيل. أقول: ومن العلامات أيضاً أن العتيق يضع منخريه في الماء حين الشرب، وغيره يضع طرف منخره فيه - ثم قال المتقي: فما عندكم عن علماء العرب في صفاتها؟ قال الرقي: ذكر الرياشي عن الأصمعي قال: إذا كان الفرس طويل أوظفة اليدين قصير أوظفة الرجلين طويل الذراعين قصير الساقين طويل الفخذين والعضدين منفرج الكتفين، لم يكن يسبق وإذا سلم منه شيئان لم يضرع عيب، عنقه مغروز في كاهله، ومغروز عجزه في صلبه، وإذا جادت حوافره فهو هو". وأنشد المبرد:
ولقد شهدت الخيل تحمل شكتي ... عنه كسرحان القضيمة مهنب
فرس إذا استقبلته فكأنه ... في العين جذع من أوائل مشرب
وإذا اعترضت له استوت أقطاره ... فكأنه مستدبر المتصوب
وسأل معاوية بن أبي سفيان مطر بن دراج فقال له: "أخبرني أي الخيل أفضل وأوجز. فقال: الذي إذا استقبلته قلت نافر، وإذا استدبرته قلت زاخر، وإذا استعرضته قلت زافر، سوطه عنانه، وهواه أمامه". (الزاخر: المشرف العالي، والزافر: عظيم الجنبين) . وكان لعمرو بن معدي كرب فرس تسمى الكاملة من بنات البعيث، فعرضها على سلمان بن ربيعة فهجنها، فقال عمرو: أجل هجين يعرف الهجين وقال:
يهجن سلمان بنت البعي ... ث جهلاً لسلمان بالكامله
فإن كان أبصر مني بها ... فأمي لا أمه هابله