الفصل الأول في العربي
اعلم أن الخيل على أربعة أقسام: عربي وهجين ومقرف وبرذون، فالعربي هو الذي أبوه وأمه متساويان في الأصل، ويسمى: عتيقاً لعتقه من العيوب وسلامته من الطعن فيه، والغالب أن يكون متوسط الجسم متناسب الأعضاء يعجب كل من رآه. قال الأعشى:
تدر على غير أسمائها ... مطرفة بعد إتلادها
المطرف: كريم الآباء والأمهات، والتلاد: المال القديم المورث عن الآباء، وقال البحتري:
وافي الضلوع يشيد عقد حزامه ... يوم اللقاء على معم مخول
وقال أبو تمام:
وتهب لي بعجاج موكبك الصبا ... إن السماحة تحت ذاك القسطل
بالراقصات كأنها رسل القضا ... والمقربات بهن مثل الأفكل
من نجل كل تليدة أعراقه ... طرف معم في السوابق مخول
المقربات: ما تقرب من البيوت لكرمها، والأفكل: الرعدة.
وقال آخر:
فلما رأوا ما قد رأته شهوده ... تنادوا ألا هذا الجواد المؤمل
أبوه ابن زاد الركب وهو ابن أخته ... معم لعمري في الجياد ومخول
وقال ابن الخطيب الأندلسي:
أو من كميت لا نظير لحسنه ... سام معم في السوابق مخول
المعم: كريم الأعمام، والمخول: كريم الأخوال. ويقال: كرم الفرس، إذا رق جلده ولان شعره وطابت رائحته، ويكنى الفرس العربي بأبي شجاع وأبي مدرك وأبي المضمار وأبي المنجي.
روي عن عبد الله بن عريب الملكي عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجن لا تخبل أحداً في بيته عتيق من الخيل". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان لا يخبل أحداً في دار فيها فرس عتيق". وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان لا يدخل داراً فيها فرس عتيق"، وروي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أرجم بالليل، فقال له صلى الله عليه وسلم: "اربط فرساً عتيقاً" فلم يرجم بعد ذلك. وروي "أن إبليس أتى عيسى بن مريم عليه السلام فقال له: عيسى إني سائلك عن شيءٍ فهل أنت صادق فيه؟ فقال: يا روح الله سلني عما بدا لك. فقال: أسألك بالحي القيوم الذي لا يموت ما الذي يسبل جسمك ويقطع ظهرك، قال: سهيل فرس في سبيل الله في قرية من القرى، أو حصن من الحصون، ولست أدخل داراً فيها فرس عتيق". وعن عمر بن عبد العزيز قال أثبت لي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان له فرس عربي فأكرمه أكرمه الله تعالى، وإن أهانه أهانه الله تعالى". وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من فرس عربي إلاّ يؤذن له عند كل سحر بدعوتين: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم وجعلتني له فاجعلني أحب أهله وماله إليه". وعن عمر بن خديج أنه قال: "لما فتحت مصر كان لكل قوم مراغة يمرغون فيها خيولهم، فمر معاوية بأبي ذر وهو يمرغ فرساً له فسلم عليه ووقف فقال: يا أبا ذر! ما هذا الفرس لا أراه إلاّ مستجاباً؟ قال: وهل تدعو الخيل؟ قال: نعم ليس من ليلة إلاّ والفرس يدعو ربه فيها، فيقول: رب إنك سخرتني لابن آدم وجعلت رزقي في يده، اللهم فاجعلني أحب إليه من أهله وولده، فمنها المستجاب ومنها غير المستجاب، ولا أرى فرسك هذا إلا مستجاباً". وعن وهب بن منبه قال: "ما من تسبيحة ولا تكبيرة تكون من راكب فرس، إلا والفرس يسمعها ويجيبه بمثل قوله". وعن مكحول: "أن النبي صلى الله عليه وسلم هجن الهجين يوم خيبر وعرب العربي: للعربي سهمان وللهجين سهم". وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنا وجدنا بالعراق خيلاً عراضاً دكاً فما ترى يا أمير المؤمنين في سهماتها فكتب له: تلك البراذين، فما قارب منها العتاق فاجعل له سهماً واحداً، والغُ ما سوى ذلك". وعن أبي الأنمر قال: "أغارت الخيل على الشام فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكوادي ضحى الغد، ورئيس الخيل المنذر بن أبي خصمة الهمداني فقال: لا أجعل التي أدركت من يومها مثل التي لم تدرك. فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هبلت الوادعي أمه، لقد أذكرت به ولقد أذكرني أمراً كنت نسيته أمضوها على ما قال".