يقول: إذا غنت له الكرائن وأطربته، وهب لهن، فسررن بما وصل إليهن، ثم لا يلبثن أن يهبهن لبعض جلسائه، لأنهن مملوكات له، فيزيل سرورهن، فأول الطربات سرهن، وآخرها غمهن.
بكلّ موهوبةٍ مولولةٍ ... قاطعةٍ زيرها ومثناها
الزير والمثنى من أوتار العود، أي يزيل عقبي الطربات سرور قيانه بكل موهوبة باكية؛ لزوالها عن ملكه، قاطعةً أوتار عودها جزعاً.
تعوم عوم القذاة في زبدٍ ... من جود كفّ الأمير يغشاها
في زبد: أي في عطاء جم كالبحر المزبد.
يعني: أنه يهبها مع ذخائر أمواله وتغمرها عطاياه، فهي تتقلب فيها، كالقذاة في البحر. والهاء في يغشاها للموهوبة.
تشرق تيجانه بغرّته ... إشراق ألفاظه بمعناها
يقول: غرة وجهه تزين تيجانه كما تزين معاني كلامه ألفاظه. ينظر إلى قول الآخر:
ومازانها العقد الّذي فوق نحرها ... ولكن لها نحرٌ يزيّن بالعقد
دان له شرقها ومغربها ... ونفسه تستقلّ دنياها
الهاء في شرقها ومغربها للأرض وفي دنياها للنفس.
يقول: ملك الأرض شرقها وغربها، ونفسه تستقل له ذلك.
تجمّعت في فؤاده هممٌ ... ملء فؤاد الزّمان إحداها
يقول: قد اجتمعت في قلبه همم، واحدة منها تملأ الدهر! فضلاً عن سائر هممه. جعل للزمان فؤاداً ليجانس قوله: في فؤاده همم.
فإن أتى حظّها بأزمنةٍ ... أوسع من ذا الزّمان أبداها
الهاء في حظها وأبداها للهمم.
يقول: إن كان لتلك الهمم التي في قلبه حظ، فأتى بزمان آخر يسعها. أبداها: أي أظهرها.
يعني: في نفسه همم يضيق الزمان بواحدة منها، فلو وجد أزمنةً أوسع من هذا الزمان تسعها لأبداها.
وصارت الفيلقان واحدةً ... تعثر أحياؤها بموتاها
الفيلقان: الجيشان، وأنث على معنى الجماعة، وأراد بالفيلقين: أهل هذا الزمان وأهل الأزمنة المتقدمة. أي: الأحياء والأموات.
يقول: إن أتى حظ بأزمنة تسعها أبداها، وأعاد من سلف من الأمم والملوك، وأدخلهم في طاعته، وصار عسكر الأحياء والأموات واحداً في الانقياد له. وتعثر الأحياء بالأموات. وهذا تفسير للهمم التي تجمعت في فؤاده.
ودارت النّيّرات في فلكٍ ... تسجد أقماره لأبهاها
الهاء في أبهاها للأقمار، ويجوز أن تكون للنيرات. يعني: لو أظهر تلك الهمم لخضعت له ملوك الدنيا واجتمعت، كلهم في وقت واحد، فتسجد أقمار الفلك لأبهاها وهو الشمس. جعل سلطانه فلكاً يشتمل على الأرض وملوكها، كما يشتمل الفلك على العالم، وجعل الملوك أقماراً وهو شمساً.
الفارس المتّقي السّلاح به ال ... مثنى عليه الوغى وخيلاها
خيلاها أي عسكراها، وهي تثنية الخيل. والهاء للوغى؛ لأنه في معنى الحرب. وروى: المتقي بفتح القاف، أي يتقي به من أثر السلاح، وتثني عليه الحرب وعسكراها. أي: عسكره وعسكر العدو.
لو أنكرت من حيائها يده ... في الحرب آثارها عرفناها
الهاء في حيائها وآثارها لليد وفي عرفناها للآثار.
يقول: لو أنكرت يده من فرط حيائها آثارها في الحرب؛ لعلمنا أنه فعله، لأن أحداً لا يقدر أن يفعل مثل فعله.
وكيف تخفي الّتي زيادتها ... وناقع الموت بعض سيماها
زيادة اليد: اسم لما تحمله اليد، زائداً على ما جرت عادتها بحمله.
وقيل: الزيادة: السوط. التي ترجع للآثار. والهاء في زيادتها لليد وفي سيماها للزيادة. والموت الناقع: السريع. وقيل: الثابت.
يقول: كيف تخفي آثار يده؟؟! وما تفعله بزيادتها هو الموت الناقع، وهو علامة من علامات زيادة يده، فإذا ضربت بالسيف كيف يخفي آثارها؟!.
الواسع العذر أن يتيه على الدّ ... نيا وأبنائها وما تاها
ما للنفي وتاه فعل: أي لم يته.
يقول: لو تاه على الدنيا وأهلها، كان له في ذلك أوسع عذر، لأنه ملكها وأهلها، وهو مع ذلك لم يته تواضعاً منه.
لو كفر العالمون نعمته ... لما عدت نفسه سجاياها
يقول: هو ينعم على الخلق عامةً، فلو جحد الخلق نعمه عليهم ما ترك عادته في الجود. وقوله: لما عدت: أي ما تجاوزت نفسه عادتها في الجود.
كالشّمس لا تبتغي بما صنعت ... منفعةً عندهم ولا جاها