يقول: إن بكاءك على من غدر بك وفارقك غدر منك بي، وهذا إشارة إلى شكاية سيف الدولة.
إذا الجود لم يرزق خلاصاً من الأذى ... فلا الحمد مكسوباً والمال باقيا
شبه لا بليس في نصب الخبر؛ فلهذا نصب مكسوباً وباقياً.
يقول: إذا لم يكون الجود خالصاً من الأذى، وما يكدره من المن والتكدير، فلم يكسب فاعله حمداً، وذهب ماله هدراً. وهذا تعريض بسيف الدولة.
وللنّفس أخلاقٌ تدلّ على الفتى ... أكان سخاءً ما أتى أم تساخيا
يقول: لكل إنسان أخلاق يستدل بها على ما يأتيه من الجود، هل هو طبيعي أو تكلفي؟ فيعرف حاله.
أقلّ اشتياقاً أيّها القلب ربّما ... رأيتك تصفي الودّ من ليس جازيا
يجوز في أقل كسر اللام ونصبها.
يقول لقلبه: قلل الاشتياق إلى من لا يشتاق إليك، فإنك تخلص المودة لمن لا يجازيك على ذلك، ولا يودك مثل ما توده، وهذه الأبيات تعريض بسيف الدولة، وتطييب لنفسه على فراقه.
خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصّبى ... لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
يقول جبلت على الإلف، حتى إنني لشدة إلفي، لو فارقت الشيب الذي هو مكروه عند كل أحد ورجعت إلى أيام الصبى؛ لبكيت جزعاً على الشيب، من فراق المألوف، فلهذا أحن إلى سيف الدولة وإن كان يقصدني بالأذى.
ولكنّ بالفسطاط بحراً أزرته ... حياتي ونصحي والهوى والقوافيا
الفسطاط: مدينة مصر التي بناها عمرو بن العاص رضي الله عنه، فأما مصر القديمة فهي في الجانب الآخر من النيل، وليس بها اليوم إلا دور قليلة.
المعنى: أني فارقت سيف الدولة مع إلفي له وأسفي على فراقه؛ لأزور كافوراً الذي هو كالبحر: في الجود وسعة الصدر وبعد الغور. وقوله: أزرته حياتي أي زرته بها.
وجرداً مددنا بين آذانها القنا ... فبتن خفافاً يتّبعن العواليا
وجرداً عطف على ما تقدم: أي قصدنا بخيل جرد ونصبنا رماحنا بين آذانها فكانت الخيل تتبعها في السير.
تماشى بأيدٍ كلّما وافت الصّفا ... نقشن به صدر البزاة حوافيا
تماشى: أي تتماشى.
يقول: هذه الخيل الجرد كانت تمشى بعضها إلى بعض، فإذا وطئت الصفا بأيديها وهي حواف أثرت فيه آثار نقش صدر الباز.
وروى: صدر البزاة وهي جمع صدار. وروى: صدر البزاة ويراد به الصدور.
وتنظر من سودٍ صوادق في الدّجى ... يرين بعيدات الشّخوص كما هيا
يقول: تنظر هذه الخيل من عيون سود، ترى هذه العيون - من حدة النظر - الشخص البعيد على هيئته وحاله، ولا يتغير عليها فيصغر أو يعظم، بل تراه على حقيقته. وقوله: يرين: يجوز أن يكون فعل سود ويجوز أن يكون: فعل الخيل.
؟ وتنصب للجرس الخفيّ سوامعاً يخلن مناجاة الضّمير تناديا الجرس: الصوت.
يقول: هذه الخيل حديدة السمع، فإذا أحست حساً خفيفاً وصوتاً خفياً، نصبت أذانها، فهي لحدة أذانها تحسب الصوت الخفي، أنه كلام ظاهر وصوت عال.
تجاذب فرسان الصّباح أعنّةً ... كأنّ على الأعناق منها أفاعيا
إنما قال: فرسان الصباح، لأن الغارات أكثر ما تكون في وقت السحر، وشبه الأعنة للينها ودقتها بالأفاعي.
يقول: إن الخيل لا تترك الأعنة تستقر في أيدي فرسانها، لما فيها من المرح والنشاط، فكأن الأعنة أفاع على أعناقها فهي تجاذبها الفوارس.
بعزمٍ يسير الجسم في السّرج راكباً ... به ويسير القلب في الجسم ماشيا
الباء: متعلق بقوله: أزرته يعني: زرته بعزم.
يقول: قصدته بعزم قوى، وجسمي يسير وأنا راكب، وقلبي يسبقني إلى المنازل؛ لقوة العزم وفرط الاشتياق إلى حضرته، وكنت كلما نزلت منزلاً، كانت همتي المنزل الآخر، لأقطعه.
قواصد كافورٍ توارك غيره ... ومن قصد البحر استقلّ السّواقيا
قواصد: نصب على الحال. والعامل: أزرته أو تجاذب أو تماشى ويجوز الرفع: أي هي قواصد.
يقول: قصدت هذه الخيل كافوراً، وتركت من سواه من الملوك؛ لأنه أفضل منهم، وغيره من الملوك بالإضافة إليه كالجدول من البحر.
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... وخلّت بياضاً خلفها ومآقيا