المنخوة: المملوءة. من النخوة، وهي الكبر. وزعلة: أي مرحة بطرة.
يقول: لم أمدحه كأنه غير شجاع يضرب في الحرب رءوس الأبطال المتكبرين الذين في رءوسهم النخوة وفي قلوبهم المرح والبطر. وقوله: ساعة الوغى ظرف لنخوه: أي منخوة حالة الحرب، ولو جعله ظرفاً لضراب لجاز أن يضرب ساعة الوغى زعلة.
وصاحب الجود ما يفارقه ... لو كان للجود منطقٌ عذله
صاحب: نصب عطفاً على قوله: ضراب كل جمجمةٍ؛ لأنه خبر ليس. يعني أنه قد بلغ في السخاء حداً لو كان له لسان لعذله.
وراكب الهول ما يفتره ... لو كان للهول محزمٌ هزله
المحزم: موضع الحزام. والهاء في ما يفتره للهول الأول، وفي هزله للهول الثاني، وقيل للمحزم.
يقول: هو يركب الهول ولا يفتره أي لا ينزل عنه ساعة، فلو كان الهول مركوباً يشد عليه الحزم لهزله وأذاب لحمه، من كثرة ركوبه إياه.
وفارس الأحمر المكلل في ... طيىءٍ المشرع القنا قبله
الأحمر: فرسه الذي ركبه يوم وقعته بأنطاكية، والمكلل: بكسر اللام الأولى هو الحاد الماضي، فإن جررته فهو صفة للفرس وإن نصبته فهو صفة للممدوح وإن فتحت اللام الأولى وجررته فهو صفة للفارس. أي الملك المتوج، وإن نصبته فهو صفة للفرس وهو الذي على رأسه شبه الإكليل. والقنا، وإن كان جمعاً قد ذكر حيث قال: المشرع القنا لأنه أراد به الجنس. وروى المشرع فعلى هذا يكون صفة لطيىءٍ إنه كان فارس هذا الفرس في وقت إشراع الرماح قبله.
لما رأت وجهه خيولهم ... أقسم بالله لا رأت كفله
الهاء في كفله للممدوح. وقيل: إنه راجع للأحمر المكلل وهو الفرس..
يقول: لما رأت خيول الأعداء وجهه أقسم هو بالله ألا يولي ولا ينهزم، فلا يروا له قفاً.
فأكبروا فعله وأصغره ... أكبر من فعله الذي فعله
روى: أصغر بفتح الراء على الفعل الماضي، وفاعله أبو العشائر. وأكبر على هذا خبر ابتداء محذوف. أي: هو أكبر. وقيل: إنه مبتدأ والذي خبره. والمعنى: أنهم استعظموا فعله واستصغره هو، ثم قال: هو أكبر من فعله. أي هو أعظم من فعله وإن كان عظيماً وكل فعل عظيم ففاعله أعظم منه كما قال أبو تمام:
أعاذلتي ما أحسن الليل مركباً ... وأحسن منه في الملمات راكبه
أي أصغره على المبالغة فيكون أصغر مبتدأ وما بعده خبر له. ومعناه أنهم استكبروا فعله، وأصغره ما يفعله هو أكبر من فعله الذي فعله عندهم فاستكبروه.
القاتل الواصل الكميل فلا ... بعض جميلٍ عن بعضه شغله
الكميل: المبالغة في الكامل.
يقول: هو يقتل أعداءه، ويصل أولياءه، وإنه كامل الفضل فيهما، فبعض فعله في الجميل لا يشغله عن بعض، بل يحسن في حال القتال وغيره.
فواهبٌ والرماح تشجره ... وطاعنٌ والهبات متصله
تشجره: أي تدخله. يعني أنه هو يهب أمواله، ويطاعن أعداءه في وقت واحد، فلا الحرب تشغله عن الجود ولا الجود يشغله عن الحرب.
وهذا تفسير للبيت الذي قبله.
وكلما آمن البلاد سرى ... وكلما خيف منزلٌ نزله
آمن: أي وجدها آمنة. وقيل معناه: كلما وافى بلداً أمن من الحرب، وسار من هناك إلى بلد آخر يفتحه، وكلما خيف منزل: إما من الدعار، أو من الأعداء نزله فأزال الخوف عنه.
وكلما جاهر العدو ضحىً ... أمكن حتى كأنه ختله
الختل: الخديعة. أي إذا قصد عدوه مجاهرة أمكن منه، حتى كأنه أتاه غفلة منه، فمجاهرته تقوم مقام ختل غيره.
يحتقر البيض واللدان إذا ... شن عليه الدلاص أو نثله
اللدان: الرماح اللينة. الواحد لدن. وشن الدرع: إذا صبها على بدنه. والدلاص: الدرع الصافية البراقة. ونثل الدرع، وشنها، وأفرغها، وصبها: إذا لبسها. وذكر الضمير في قوله: نثله وإن عاد للدرع؛ لأن الذرع يذكر ويؤنث يقول: إذا لبس درعه لا يبالي السيوف والرماح وغيرها.
قد هذبت فهمه الفقاهة لي ... وهذبت شعري الفصاحة له
الفقاهة: الفطنة والعلم بغوامض الأمور.
يقول: فقاهتي في الشعر وعلمي بغوامض المعاني هذبت فهم الممدوح، وبصرته جودة الشعر من رداءته، حتى لا يستحسن شعراً هو دون شعري، وكذلك فصاحته هذبت شعري، وحملتني على التحفظ فيه، وتنقيحة حتى جاء مهذباً من كل عيب ومثله لأبي تمام:
ولذاك شعري فيك قد سمعوا به ... سحرٌ وأشعاري لهم أشعار