يقول: إن أبا العشائر لكثرة ملابسته الحروب والشدائد صارت كنيته أبا الغمرات حتى كأن كنيته المعروفة التي هي أبو العشائر غير ظاهرة ولا معلومة.
وقد نسي الحسين بما يسمى ... ردى الأبطال أو غيث العطاش
يقول: إنه كثر منه البأس والجود. فكل أحد يسميه. إما: ردى الأبطال. وإما: غيث العطاش. ونسي اسمه الذي سماه به أبواه المعروف المشهور.
لقوه حاسراً في درع ضربٍ ... دقيق النسج ملتهب الحواشي
كأن على الجماجم منه ناراً ... وأيدي القوم أجنحة الفراش
الفراش: جمع فراشة وهي دويبة تدور حول السراج فتسقط فيه، والهاء في منه للممدوح أو القرب، وقيل: للسيف. فأضمره وإن لم يجر له ذكر.
يقول: من شدة ضربة الجماجم صار كأن عليها ناراً، وكأن أيدي القوم المتطايرة بالسيف عند ضربه إياها كالفراشات التي تطير حول النار، فإن كانت الهاء للسيف فمعناه: كأن السيف على رءوسهم مثل النار وأيدي القوم حول هذه، كأجنحة الفراش حول النار، فكأن هذه الأيدي تجيء لتأخذ السيف فيقطعها، ومثله لحارث ابن أبي شمر:
والبيض تختلس النفوس كأنما ... يوقدن في حلقٍ المفاوز نارا
كأن جواري المهجات ماءٌ ... يعاودها المهند من عطاش
أراد بالمهجات ها هنا: الدماء. والعطاش: داء يأخذ الإبل فلا تروى من الماء. وقيل هو لفظ العطش. والهاء في يعاودها للمهجات ويروى: يعاوده فيكون للماء.
يقول: كأن الدماء الجارية في قلوب الأعداء وجسومهم ماء، وكأن السيف به عطاش فهو يعاوده ولا يروى منه.
فولوا بين ذي روحٍ مفاتٍ ... وذي رمقٍ، وذي عقلٍ مطاش
مفات: جر لأنه نعت لروح، ومطاش: جر لأنه نعت لعقل. يقال: طاش السهم أو طاشه غيره.
يقول: أدبروا من بين يديه، وهم ثلاثة أقسام.
منهم قتيل قد فارق روحه، ومنهم من لم يبق له إلا بقية رمقه، ومنهم من طاش عقله وزال من شدة الخوف. واستوفى الأقسام في بيت واحد.
ومنعفرٍ، لنصف السيف فيه ... تواري الضب، خاف من احتراش
المنعفر: الساقط على العفر، وهو التراب. والاحتراش: الاصطياد، يقال احترشت الضب وحرشته، وذلك أن يأتي الرجل باب جحر الضب فيمر بيده عليه فيظن الضب أنه حية، فيخرج ذنبه ليضربها به، فيأخذه الرجل. وروى لنصل السيف. ومنعفر قيل: عطف على الأقسام المتقدمة أي وذي منعفر.
وقيل: معناه ورب عدوٍّ منعفر قد غاب نصف السيف فيه أو نصله مثل ما يغيب الضب في الجحر إذا خاف الاحتراش به، أي الاصطياد.
يدمي بعض أيدي الخيل بعضاً ... وما بعجايةٍ أثر ارتهاش
العجاية: عصب فوق الحافر. والارتهاش: أن يصطك عرقوباه فتقرح رواهشه وهو باطن الذراع.
المعنى: أن الخيل انهزمت من بين يديه وازدحمت في الهزيمة، وقصت حوافر بعضها بعضاً، حتى دميت أيديها، ولم يكن ارتهاش.
ورائعها وحيدٌ لم يرعه ... تباعد جيشه والمستجاش
رائعها: أي مفزعها. والمستجاش: من يطلب منه الجيش، وأراد به سيف الدولة، وقيل أراد العسكر: أي المستجاش فيه.
يقول: إن مخوف هذه الخيل كان وحيداً ليس معه أحد من جيشه، ولم يفزعه بعد جيشه بعد من يستمد منه الجيش.
كأن تلوي النشاب فيه ... تلوي الخوص في سعف العشاش
الخوص: ورق النخل. والسعف: الجريد الذي عليه الخوص، والعشاش: جمع عشة، وهي النخلة التي عطشت، فيقصر سعفها ويضعف.
يصف النشابة التي أصابته في خده، فشبهه بنخلة، وشبه النشابة بخوص سعفها قد تلوى على السعفة، وذلك لضعف الخوص ويبسه؛ لأنه إذا كان رطباً قوياً لا يتلوى على السعف، فكأنه لقلة مبالاته بها شبهها بتلوي الخوص على سعفه.
ونهب نفوس أهل النهب أولى ... بأهل المجد من نهب القماش
القماش: الأثاث المجموع من كل صنف.
يقول: إن أهل المجد والهمة العالية همتهم استيلاب النفوس وقتل الأبطال، دون الاشتغال بسلب القماش والغنائم ومثله لأبي تمام:
إن الأسود أسود الغاب همتها ... يوم الكريهة في المسلوب لا السلب
تشارك في الندام إذا نزلنا ... بطانٌ لاتشارك في الجحاش
الندام: المنادمة. والبطان: جمع بطين والجحاش: المجاحشة، وهي المقاتلة والمدافعة.