وقيل: إن في الكلام حذفاً، كأنه قال: من كان يحلم بصنع الله تعالى فأحلم أنا، فكأنه يقول: من كان يحلم بصنع الله تعالى وينسب نفسه إلى النوم دون اليقظة عند عظمته حتىأقول: أنا إنما أرى ذلك في المنام.
كبر العيان علي حتى إنه ... صار اليقين من العيان توهما
يقول: تأكيداً للبيت الأول قبله: كبرت المعاينة علي بخروجه عن العادة حتى صار اليقين المعاين متوهماً.
يا من لجود يديه في أمواله ... نقمٌ تعود على اليتامى أنعما
يقول: يا من يصب على أمواله نقماً بتفريقها والاستهانة بها، وتعود تلك النقم على اليتامى نعماً وافرة.
حتى يقول الناس: ماذا عاقلاً! ... ويقول بيت المال: ماذا مسلماً
يقول: يا من هو في السخاء يصفه بقول الناس: إنه ليس بعاقل؛ حيث يفقر نفسه، ويقول بيت المال: إنه ليس بمسلم؛ لأنه لا يرد إليه شيئاً من المال ويبقيه، وحكم الإسلام يقتضي حفظ بيت المال.
وروى عنه: ماذا غافلاً يعني عن كسب المكارم في الدنيا والثواب في الآخرة، ونصب غافلاً ومسلماً لأنهما خبر ما.
إذكار مثلك ترك إذكاري له ... إذ لا تريد لما أريد مترجماً
يقول: إذكار مثلك ترك الإذكار، لأنك عارف بما في قلبي، غير محتاج إلى التنبيه لعلمك به، وهذا مثل قول أبي تمام:
وإذا الجود كان عوني على المر ... ء تقاضيته بترك التقاضي
وقال في أيام الصبا في الحماسة:
إلى أي حينٍ أنت في زي محرم؟ ... وحتى متى في شقوة وإلى كم؟!
يخاطب نفسه ويلومها فيقول: إلى أي وقتٍ أنت في زي الإحرام؟، فكأنه يقول: إلى أي وقت تكون عارياً؟ قاعداً عن القتال؟ ومنازلة الرجال؟ وحتى متى تعيش في الشقاء؟ ولا تطلب العز والثناء؟ وروى في غفلة وروى في زي مجرم بالجيم. يعني: إلى متى تعيش ذليلاً كالمتهم المذنب. والمعنى جيد.
وإلا تمت تحت السيوف مكرماً ... تمت وتقاسي الذل غير مكرم
يقول: إن لم تمت تحت السيوف في الحرب مكرماً، تمت مقاسياً للمذلة ساقط الرتبة حتف أنفك، والأصل فيه قولهم: موتٌ في عزٍّ خيرٌ من حياةٍ في ذل ويجوز تقاس بحذف الياء للجزم عطفاً على جواب الشرط، وهو قوله تمت ويجوز بالياء فيكون في موضع نصب على الحال: إن تمت مقاسياً للذل.
فثب واثقاً بالله وثبة ماجدٍ ... يرى الموت في الهيجا جنى النحل في الفم
الهيجا: بالمد والقصر: الحرب. وجنى النحل: العسل المجتنى من النحل، والماجد: الشريف.
يقول ثب إلى طلب المعالي واثقاً بالله تعالى، وثبة رجل ماجدٍ؛ يرى للموت في الحرب حلاوة كالعسل في الفم كما قال الآخر:
الموت أحلى عندنا من العسل الشاميات
وقال في صباه يمدح سعيد بن عبد الله بن الحسين الكلابي:
أحيا وأيسر ما قاسيت ما قتلا ... والبين جار على ضعفي وما عدلا
في أحيا تقديران: أحدهما، أنه أفعل تفضيل من الحياة، وتقديره إني أكثر حياة مع أن أيسر ما قاسيت، ما قتل غيري ومع أن البين أيضاً جار على ضعفي وما عدل. والثاني، أنه فعل مضارع من الحياة ثم فيه تقديران: أحدهما، الخبر، والآخر الاستفهام. فأما الخبر فتقديره كأن يقول على وجه التعجب: إني أحيا، وأيسر ما لقيته في محبة هذه المرأة ما قتل غيري! وقد أضيف إليه فراق الحبيب الذي جار علي مع ضعفي، ومع ذلك فإني مقيم باقٍ! وهذا موضع التعجب! ولعله كان به ضعف، وأما الاستفهام فتقديره أأحيا؟! وأيسر شيء قاسيته في حبها هو الذي يقتل!
والوجد يقوى كما تقوى النوى أبداً ... والصبر ينحل في جسمي كما نحلا
يقول على وجه التعجب أيضاً: إني باقٍ! مع اجتماع هذه الأمور القاتلة، وهي: ازدياد الحزن بازدياد البعد، ونقصان الصبر، ونحوله، كما أن الجسم يضعف وينحل.
يصف ازداد البعد ونحول الجسم والصبر بعد البعد.
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
الهاء في لها: للمنايا، أو للمفارقة.
كأنه يقول: لولا مفارقة الأحباب ما وجدت المنايا لأنفسها وللمفارقة طرقاً تصل إلى أرواحنا. وهو كقول أبي تمام الطائي:
لو حار مرتاد المنية لم يجد ... إلا الفراق على النفوس دليلا
بما بجفنيك من سحرٍ صل دنفاً ... يهوى الحياة، فأما إن صددت فلا
بما بجفنيك: قسم.