4519- هَذَا التَّصَافِي لاَ تَصَافِي المِحْلَبِ
قَالَ أبو عمرو بن العَلاَء: خرج رجلاَن من هُذَيل بن مُدْركة ليُغِيَرا على فَهْم على أرجلها، فأتَيَا بلاَد فَهْم فأغارا، فقتلاَ رجلاً من فَهْم، ونذر بهما، فأخِذَ عليهما الطريقُ فأسِرَا جميعا، فقيل لهما: أيكما قَتَلَ صاحبنا؟ فَقَالَ الشيخ: أنا قتلته وأنا الثأر المُنِيمُ، وقَالَ الشاب: أنا قتلته دون هذا الشيخ الهِمِّ الفاني، وأنا الشابُّ المقتبلُ الشباب، وأنا لكم الثأر المنيم، فقتلوا الشيخ بصاحبهم، وطمعوا في فِدَاء الشاب، فَقَالَ رجل من فَهْم: هذا التصافي لا تصافي المِحْلَب، ويروى "المشعل" وهو إناء ينبذ فيه، أي هذه المصافاة لاَ مصافاة المؤاكلة والمشاربة.
يضرب في كرم الإخاء.
4520- هَذَا أوان الشَّدِّ فَاشْتَدِّي زِيَمْ
(سبق برقم 4499)
زعم الأصمعي أن "زِيَمْ" في هذا الموضع اسمُ فرسٍ، وشَدَّ واشْتَدَّ إذا عدا.
يضرب للرجل يؤمر بالجِدِّ في أمره.
وتمثل به الحجاجُ على منبره حين أزعج الناسَ لقتال الخوارج.
وأورد أبو عبيد هذا المثل مع قولهم "لَيْسَ هَذَا بعُشِّكِ فَادْرُجِي، يضرب للمتشبع بما ليس عنده، يؤمَرُ بإخراج نفسه منه، ولاَ نسبة بينهما، إلاَ أن يُقَال: أراد هذا ليس وقت الجمام، بل هذا وقت العدو حتى يكون بإزاء قوله "ليس هذا بعشك فادْرُجِي"
4521- هُما كَفَرَسَي رِهَانٍ
يضرب للاثنين إلى غاية يَسْتَبِقَانِ فيستويان، وهذا التشبيه يقع في الاَبتداء، لاَ في الاَنتهاء؛ لأَن النهاية تُجَلَّى عن سَبْق أحدهما لاَ محالة.
ومثلُه قولُهم:
4522- هُمَا كَرُكْبَتِي البَعِيرِ
قَالَ ابن الكلبي: إن المثل لِهرِمِ بن قُطْبةَ الفَزَاري، تمثَّلَ به لعلْقمة بن عُلاَثة وعامر بن الطُّفَيل الجعفر بين حين تنافرا إليه، فَقَالَ: أنتما كَرُكْبَتَي البعير يا ابني جعفر تَقَعَانِ مَعاً، ولم يُنْفِّرْ أحَدَهما على الآخر، وذلك أنهما انتهَيَا إليه مساء، فأمر لكل واحدٍ منها بُقَّبةٍ، وأمر لهما بالأنزال وما يحتاجان إليه، فلما هَدَأت الرِّجْلُ أتى عامرا فَقَالَ له: لماذا جئتني؟ قَالَ: جئْتُك لُتَنَفِّرني على علقمة، فَقَالَ: بئس الرأي رأيت، وساء ما سَوَّلَتْ لك نفسُكَ، أفْضِّلُكَ على علقمة ومن أمره كذا وكذا؟ يعدِّد مفاخِرَه ومآثره وقديمه وحديثَه، والله لئن رأيتُك غداً معه -[392]- متحاكمين إلىَّ لاَنفرنَّهُ عليك، ولاَ يطلق القلم مني به وبك غيره، ثم تركه ومضى إلى عَلْقَمة فَقَالَ: ما جاء بك؟ قَالَ: جئتك لتنفِّرِني على عامر فقال: أين غاب عنك حلمكَ؟ أعلى عامر أفضِّلُك؟ وقديم عامر كذا وكذا، وحَسَبَهُ كذا، والله لئن نافَرْتَهُ إلى لأحكمن له، فأقْدِمْ على ما تريد أو أَحْجِمْ عنه، ثم فارقه ورجع إلى بيته، فلما أصْبحَا قَالاَ: نرجع ولاَ حاجة بنا إلى التنافر، ولاَ يدري كل واحدٍ منهما ما عند صاحبه، فلما كانا في بعض الطريق تلقَّاهُما الأعْشَى، فسألهما عما خرجا له، فأخبره بقصتهما، فَقَالَ الأعْشَى لعلقمة: مالي عندك إن نَفَّرْتُكَ على عامر؟ قَالَ: مائة من الإبل، قَالَ: وتُجِيرُنِي من العرب؟ قَالَ: أجيرك من قومى، فَقَالَ لعامر: فإن أنا نفرتك على علقمة فمالي عندك؟ قَالَ: مائة من الإبل، قَالَ: وتُجيرُني من أهل الأَرض؟ قَالَ: أجيرك من أهل السماء والأَرض، قَالَ الأعْشَى: تُجيرُني من أهل الأَرض فكيف تُجيرُني من أهل السماء؟ قال: إن مات أحد من وَلْدَك أو أهلك ودَيْتُه، وإن ماتت لك ماشية فعليَّ عِوَضُها، قَالَ: نعم، فمدح عامرا، وهجا علقمة، فَقَالَ من قصيدته في هجائه:
أعَلْقَمُ قَدْ حَكَّمْتَنِي فوجدتني ... بكُم عالما عند الحكومة غائصاً
كِلاَ أبَوَيْكُم كانَ فَرْعَى دِعَامَةٍ ... ولكنَّهُمْ زَادُوا وَأصْبَحْتَ نَاقِصَاً
تَبِيتُونَ في المَشْتى مِلاَءً بُطُونُكُمْ ... وَجَارتُكُمْ غَرْثَى يَبتْنَ خَمَائِصَاً
فَمَا ذَنْبُنَا إن جَاشَ بَحْرُ ابن عَمَّكُمْ ... وتَجْرُك سَاجٍ مَا يُوارِي الدَّعَامِصَاً
(الدعامص: جمع دعموص. وهي دويبة تغوص في الماء)
وكان يُقَال: مَنْ مدحه الأعْشَى رَفَعه ومَنْ هَجَاه وضَعه، وكان يُتَّقَي لسانه، وكان علقمة ممن آمن وصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عامر فلاَ.