نام کتاب : مباهج الفكر ومناهج العبر نویسنده : الوطواط جلد : 1 صفحه : 76
فأما العقاب فأن فيها من الألوان السود والخوخية، والصقع والسفع، والبيض والشقر، ومنها ما يأوي الجبال، ومنها ما يأوي إلى الصحارى، ومنها ما يأوي الغياض ومنها ما يأوي حول المدن، ويقال أن ذكورها من طير آخر لطيف الجرم لا يساوي شيئا، والعقاب يبيض في الأغلب ثلاث بيضات، ويحضنها ثلاثين يوما، وما عداه من الجوارح يبيض بيضتين كل سنة، ويحضن عشرين يوما، وإذا خرجت الفراخ تلقي واحدا منها لأنها يثقل عليها طعام الثلاث وتربيتها، وذلك لقلة صبرها وشرهها، والفرخ الذي تلقيه يعطف عليه طير آخر يسمى كاسر العظام فيربيه، ومن عادة هذا الطائر أن يزق كل فرخ صائغ بعد التوفر على فراخه، وفي طبع الذكر أنه يمتحن أنثاه هل هي محافظة له أو مواتية لغيره من غير جنسه بأن يصوب بصر فرخه إلى شعاع الشمس، فإن ثبت عليه تحقق أنهما فرخاه فأمسكهما وإن لم يصبر عليه وناء عنه ضرب الأنثى كما يضرب الرجل المرأة الزانية، وطردها من وكره ورمى بالفرخين، وهي تربي فراخها إلى أن تقوى على الطيران فتخرجها، وتنفيها عن مواضعها، ومن عقوقها لفراخها أنها لا تحمل على نفسها في الكسب عليها، ومتى كان الذكر والأنثى في مكان مجتمعين لا يدعان غيرهما من جنسهما يأويان قريباً، ولا يصيد فيه، وهي إذا صادت شيئاً لا تحمله على الفور إلى مكانها بل تنقله من موضع إلى موضع، ولا تجلس إلا على الأماكن المرتفعة لأنها لا تستقتل من الأرض إلا ببطؤ وعسر، وإذا ما صادت الأرانب تبدأ بصيد الصغار ثم الكبار، وهي أشد الجوارح جرأة، وأقواها حركة إلى الغضب وأسرعها إقداماً، وأنسبها مزاجاً، وكذلك هي أحدها وهي خفيفة الجناح سريعة الطيران فهي إن شاءت كانت فوق كل شيء، وإن شاءت كانت بقرب كل شيء، تتغذى بالعراق، وتتعشى باليمن، وريشها الذي عليها فروتها في الشتاء وجنسها في الصيف، وربما صادت حمر الوحش، وذلك أنها إذا نظرت الحمار رمت نفسها في الماء حتى يبتل جناحها ثم تتمرغ في التراب ثم تطير حتى تقع على هامة الحمار ثم تصفق على عينيه بأجنحتها فتملأها تراباً، فلا يبصر حيث يذهب فيؤخذ، وهي مولعة بصيد الحيات، وولوعها بها كولوع الحيات بالفأر، وفي طبعها قبل أن تدرب، أن لا تراوغ صيداً ولا تعنى في طلبه، ولا تزال موفية على شرف عال، فإذا رأت سباع الطير قد صادت شيئاً انقضت عليه فتتركه لها وتنجو بنفسها، ومتى جاءت لم يمتنع عنها الذئب، وهي شديدة الخوف من الإنسان وتنظر إليه بفرق منه، ويقال: أنها إذا شاخت وثقل جناحها، وأظلم بصرها التمست غديراً، فإذا وجدته حلقت طائرة في الهواء ثم تقع من خالق في ذلك الغدير وتنغمس فيه مراراً فيصح جسمها ويقوى بصرها، ويعود ريشها ناشئاً إلى حالته الأولى، ومتى ثقلت عن النهوض، وعميت حملتها الفراخ على ظهورها، ونقلتها من مكان إلى مكان لطلب الصيد، وتعولها إلى أن تموت، ومن عجيب أمرها أنها إذا اشتكت كبدها من رفع الأرانب والثعالب في العواء أكلت أكبادها فتبرئ، وهي تأكل الحيات إلا رؤوسها، والطير إلا قلوبها ويدل على هذا قول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير، رطباً ويابساً ... لدى وكرها العناب والحشف البالي
ومنقارها الأعلى يعظم ويعقف حتى يكون ذلك سبب هلاكها لأنها لا تنال به الطعم حينئذ:
فصل
أول من صادها أهل المغرب، وإنما رغبتهم فيها ما رأوا من شدة أسرها وعظم سلاحها، ويحكى أن قيصر أهدى إلى كسرى عقاباً، وكتب إليه: علمها فأنها تعمل عملاً أكثر من الصقور التي أعجبتك، فأمر بها فأرسلت على ظبي عرض لها فقدته فأعجبته ما رأى منها، وجوعها ليصيد بها، فوثبت على صبي من حاشيته فقتلته، فقال كسرى: غزانا قيصر في بلادنا بغير جيش، ثم أهدى لقيصر نمراً وكتب إليه: قد بعثت إليك ما تقتل به الظباء، وما قرب منها من الوحش، وكتم ما صنعت العقاب عنه فأعجب به قيصر إذ وافقت صفته ما وصف، فغفل عنه يوماً فافترس بعض فتيانه فقال: صادنا كسرى فإن كنا صدناه فلا بأس، فلما بلغ ذلك كسرى قال: أنا أبو ساسان. وصفة المحمود منها وثاقة الخلق، ثبوت الأركان، وحمرة اللون، وغؤور الحماليق، وإن تكون صقعاء، عجزاء على عكوتها بياض وأجودها ما جلبت من سرت وجبال المغرب. الوصف والتشبيه
قال امرؤ القيس يصف شدة أسرها من أبيات ذكر فيها فرساً:
نام کتاب : مباهج الفكر ومناهج العبر نویسنده : الوطواط جلد : 1 صفحه : 76