responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 293
المنطق ونصاعة الحجة، والصراحة في التعبير، والتفكير نوعًا ما. إن الفرنسي يعيش في عالم الشعور، ويطمئن للطبيعة المحيطة به؛ لأنها ليست طبيعة صاخبة عاصفة مدمرة، سوداء معتمة، كما هو الحال في الطبيعة التي تكتنف بلاد الإنجليز.
لا يرى الإنجليز الشمس في أغلب أيام السنة إلا لحظات، وجو بلاده ملبد دائمًا بالغمام، والضباب يجتاحها في فصل الشتاء حتى يتعذر على الإنسان أن يرى يده في أثناء النهار، وهي جزيرة تحيط بها بحار صاخبة، وتهب عليها أعاصير مريعة، وكثيرًا ما تغطي أرضها بالثلوج، وقد أدى هذا إلى كآبته، وانقباضه، وإلى كبت وحرمان، فنما عقله الباطن، وتساقطت فيه رغبات كثيرة لم تحقق له، ولذلك كثرت أحلامه وخيالاته وآماله.
كما أن هذه البيئة حببت إليه العمل حتى صار طبعًا محبوبًا لذاته، ينزل من نفسه منزلة الهواء الذي يتنفسه، والماء الذي يشربه، والطعام الذي يغذيه، كما أورثته البطء في التفكير، فليس له ذلك الذكاء اللماح الذي تراه عند الفرنسي، حتى أصبح الإنجليزي يكره التفكير النظري المنطقي. إنهم يعملون ولا يجهدون أنفسهم في التفكير في عاقبة أعمالهم ومن أمثالهم المشهورة "انتظر وترقب ما يحدث".
وهذه البيئة الصارمة أورثتهم المحافظة على التقاليد والتدين، ولا شك أن الوحدة والانفراد -وهما آثر من آثار الكآبة والانقباض- جعلتهم يكثرون من نجوى أنفسهم ومن التأمل في الحياة وخلقها وخالقها، وربما رجعل هذا الميل إلى التدين والتمسك الشديد بالتقاليد إلى أصلهم السكسوني؛ وبينا ترى الفرنسي يعيش في عالم الواقع ويبحث دائمًا في تصرفات الإنسان ويحللها، وترى الألماني السكسوني يتجه دومًا نحو الله، ونحو أسرار هذا العالم الخفي وقد صبغت الرومانتيكية الألمانية في القرن الثامن عشر بالبحث فيما وراء الطبيعة، واشتهرت بقصص الجن، والشياطين، والمفزعات من كل نوع، وأخذ الإنجليز عنهم هذا النوع من القصص وأحبوه وفتنوا به[1]، وقد ورث عنهم الإنجليز هذا الميل وزاده

[1] راجع:.c.m. bowra, the romantic imagintion p. 51
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 293
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست