responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 278
أما إذا أعجب بشخص فهو يتجاوز عن سيئاته، بل يلتمس له المعازير ويبالغ في تصوير حسناته كما فعل مع ابن الرومي، فدافع عن تشاؤمه وسخريته، عازيًا نقمته على العصر وأبنائه إلى ذكاء الشاعر وفرط حساسيته، حتى لكأنه يحس الحياة بأعصابه، يحس ما فيها من الظلم والغبن والخلط والفساد والتناقص، وإحساسه هذا بثقل القيود المحيطة به أبرز "أنا" في شعره وفي حياته إلى المكان الأول من الواعية، فحفل شعره بذكر نفسه. واكتظ بالمقابلة بين الرغبة والإمكان، وبين الأمل والواقع، والذاتية إنما يبرزها إدراك حدودها والتصادم بما هو خارج عنها.
ولعل سر إعجاب المازني بابن الرومي طبيعة المازني الساخرة، وأن المذهب الذي دعت إليه هذه المدرسة يؤكد ذاتية الشاعر ويعنى بإبرازها ويكشف عن أعماقها، فلا بدع إذا صرح بأن ابن الرومي أحب الشعراء إليه[1]. ويزعم أن ابن الرومي أعظم شاعر في العربية ويعلل لذلك بنسبة إلى الروم فهو آرى الأصل، ولذلك سلم من عيوب العرب في أدبهم من فساد الذوق وشطط الذهن، فتجد عندهم الحدة والطغيان والغلو ونحوها مما يجعل شعرهم جافيًا جامحًا، ومما يجعلهم ليسوا أشعر الأمم كما يظن بعضهم، وإن كانت لهم محاسنهم كمصدق النظر وذكاء المشاعر، وصفاء السريرة وعلو النفس، ولكن الشعوب الآرية أفطن منهم لمفانن الطبيعة وجلالة النفس الإنسانية وجمال الحق والفضيلة -على أن أنبغ العرب هم أولئك الذين ينتهي نسبهم إلى غير العرب كابن الرومي مثلًا فهو آري الأصل فارسي يوناني- وقد ورث كثيرًا من صفات قومه، فهو أقرب إلى شعراء الغرب في أسلوب الشعر[2]. ولا نريد أن نصف المازني بالشعوبية، وتعبده لمقاييس الأدب الغربية وبخاصة تلك المدرسة الإنجليزية، وبهذا التحامل الذي يزري بالشعر العربي القديم كله ويجرده من سمات الشاعرية، وما في كلامه من تناقض، ولكنا إذا التمسنا له العذر أرجعنا هذا الآراء إلى إعجاب المازني بالأدب الغربي نتيجة قراءته الكثيرة فيه وبخاصة في الإنجليزية، وتأثره بهازلت

[1] المرجع السابق ص232.
[2] راجع حصاد الهشيم عن ابن الرومي من صفحة 232- 422.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر    جلد : 2  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست