نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 2 صفحه : 126
فطوى هذه المقطوعات. إلى أن أحيل إلى المعاش فلم يجد بأسًا -وقد صار حرًّا من قيود الوظيفة- من نشرها، وأغلب الظن أن شاعر النيل لو مد له في أجله بعد خروجه إلى المعاش لعاد سيرته الأولى، وملأ الدنيا شعرًا متحمسًا وطنيًّا رائعًا كما كان في عهده الأولى، ولكن عاجلته المنية بعد أن تحلل من الوظيفة بأربعة شهور.
أما موقف شوقي إزاء هذه الحوادث القومية الوطنية بعد ثورة 1919. فقد اختلف جد الاختلاف عن موقفه من قبل، كما اختلف عن موقف حافظ. ترك شوقي مصر منفيًّا بعد أن خلع عباس في سنة 1914، ورأى الناس قد تنكروا لهجتى أعز أصدقائه قد تحاموا لقياه أو تحيته حين يرونه خوفًا من أن يتهموا بمصادقته[1]. ولذلك رحب بالمنفي ليريحه من تلك الوجوه المنافقة، وقد قال يخاطب ولديه وهو يعبر القناة في طريقه إلى المنفي مشيرًا إلى سطوة الغاصب المحتل، وعسفه وتبجحه، ويفصح عن كامن غضبه وسخطه. "تلكما يا ابني القناه، لقومكما فيها حياه، ذكرى إسماعيل ورياه" إلى أن يقول: تفارق برًّا مغتصبه مضري الغضبة، قد أخذ الأهبة واستجمع كالأسد للوثبة، ديك على غير جداره خلال له الجو فصاح، وكلب في غير داره انفرد وراء الدار بالنباح"، وقد أشار إلى هؤلاء الذين تنكروا له بعد أن تغيرت الحال السياسية، وذهب عنه جاهه وسلطانه بمصر، وفي إحدى أندلسياته بقوله:
وداعًا أرض أندلس وهذا ... ثنائي إن رضيت به ثوابًا
شكرت الفلك يوم حويت رحلي ... فيا المفارق شكر الغرابا
فأنت أرحتني من كل أنف ... كأنف الميت في النزاع انتصابا
ومنظر كل خوان يراني ... بوجه كالبغي رمى النقابا
وقضى في المنفى خمسة أعوام ألهب فيها النفي ولوعة الفراق إحساسه بالغربة وشوقه إلى مصر الحبيبة، فنفثها نفثات حارة من قلب مفعم بالحب والحنين إلى الأرض التي شهدت ملاعب صباه، ونشاط شبابه، ونمو مجده وفيها الأهل والأحباب والخلان والأصحاب. [1] انظر حسين شوقي مجلة أبوللو ديسمبر 1932 ص315.
نام کتاب : في الأدب الحديث نویسنده : الدسوقي، عمر جلد : 2 صفحه : 126