ومن يتصفح كتب القدماء، فيسجد أنهم قد أطلقوا مصطلحات معينة بناء على مذهب في الفهم والتقسيم للمخارج الصوتية، فيستخدم ابن سينا للتعبير عن إنتاج الصوت لفظ: الحبس، وتردد في كلامه ألفاظ: المخرج والمخارج والحبس والحابس والمحبوس، كما فرق القدماء بين الحروف المفردة والحروف المركبة قائلين: وهذه المفردة تشترك في أن وجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الإطلاق؛ ذلك لأن زمان الحبس التام لا يمكن أن يحدث فيه صوت حادث من الهواء وهو مُسَكَّن بالحبس.
واستقرت الدراسات الحديثة عن فهم تقسيمات مغايرة، فتقسيم سيبويه قائم على أساس الفصل بين المخرج والصفة على حين رأى المحدثون عدم الفصل بينهما، كما وضعوا مصطلحات مغايرة لما ذكره القدماء.
وهذه الفروق بين القدماء والمحدثين أتت نتيجة لاعتماد القدماء على جهدهم الذي قاموا به، وعلى معلومات عصرهم، فهي لم تكن وليدة التجربة المعملية أو التشريح؛ ولذا رأينا الفرق كان ظاهرًا ومنحصرًا في المنطقة التي خفيت عليهم عند الحنجرة، فلم يبين القدماء دورها في تحديد الجهر والهمس.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تقسيم سيبويه وابن جني وابن سينا لمناطق الفم وتحديدهم لمناطق الأصوات ومخارجها، كان شبه نهائي، ولم يستطع أحد ممن جاء بعدهم أن يثبت عكسه، أو يعدل منه حتى الآن، وإن حاولوا إدخال بعض التقسيمات داخل تصنيفهم.