ووَإِنَّ صَخراً لَمَولَانا وَسَيِّدُنا ... وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ
وكان أبو النجم العجلي- إذا أنشد- أزيد ورمي بثيابه، وكان بشار إذا أراد الإنشاد: صفق بيديه، وبصق عن يمينه وشماله ثم ينشد فيأتي بالعجب، وكان الطرماح بن حكيم لا ينشد إلا جالسا، وكان الفرزدق يتكبر أن ينشد قائما، قال أبو عبيدة: كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلا قاعدا. وكان البحتري رديء الإنشاد، قبيح الحركات، وكان إذا أنشد يختال ويعجب بما يأتي به، وكان من عادته إذا فرغ من القصيدة، أن يعيد البيت، وقد يعيد بيتين من أول القصيدة [1].
وليس كل من ينشئ الشعر، يحسن إلقاءه، فبعض الشعراء يحسنون إلقاءه كما يحسنون نظم القصيدة، فيزيد شعرهم حسنا وجودة، ويكتسي ملاحة وحلاوة، وتتضاعف منزلته حين ينشده.
يقول البارودي يصف شعره وهو ينشده بنفسه:
يَزِيدُ عَلَى الإِنْشَادِ حُسْنَاً كَأَنَّنِي ... نَفَثْتُ بِهِ سِحْرَاً وَلَيْسَ بِهِ سِحْرُ
وبعضهم يجيء شعره وسطا، ولكن بجودة إلقائه، فيرتفع شعره إلى الذروة في نفوس مستمعيه ويفوق غيره ممن هم أقوى منه مبنى، وأجمل معنى، وألطف خيالا، ويظفر من التصفيق والاستحسان بنصيب كبير، وما ذلك إلا نتيجة جودة إلقائه.
وعرف في كل عصر من عصور الشعر شعراء يجيدون إلقاء شعرهم، ومن هؤلاء: أعشى قيس، وقد لقب بصنَّاجة العرب، وقد [1] الشعراء وإنشاد الشعر، ص: 45- 48.