قال رجل: كنت بالبادية، فرأيت ناسا حول نار، فسألت عنهم فقالوا:
صادوا حيّات فهم يشتوونها ويأكلونها، فأتيتهم فرأيت رجلا منهم قد أخرج حيّة من الجمر ليأكلها فامتنعت عليه، فجعل يمدّها كما يمدّ عصيب «1» لم ينضج، فما صرفت بصري عنه حتّى لبج «2» به فمات، فسألت عن شأنه فقيل لي:
عجل عليها قبل أن تنضج وتعمل في سمّها النار.
قال رجل من الأعراب لولده: اشتروا لي لحما، فاشتروه فطبخه حتى تهرّى «3» ، وأكل منه حتى انتهت نفسه، وشرعت إليه عيون ولده فقال: ما أنا بمطعمه أحدا منكم إلا من أحسن وصف أكله: فقال الأكبر منهم: آكله يا أبت حتى لا أدع لذرّة فيه مقيلا؛ قال: لست بصاحبه. فقال الآخر: آكله حتى لا يدرى ألعامه هو أم لعام أوّل؛ قال: لست بصاحبه. فقال الأصغر: أدقّه يا أبت دقا وأجعل إدامه المخّ؛ قال: أنت صاحبه، هو لك.
بينا أعرابيّ يسير وهو يوضع «4» بعيره إذ سقط بعيره فنحره وأكله، فأنشأ يقول: [رجز]
إنّ السّعيد من يموت جمله ... يشبع لحما ويقلّ عمله
ومرّ رجل من سلول بفتيان يشربون فشرب معهم؛ فلما أخذ منه الشراب قام إلى بعيره فنحره، وقال: [رمل]
علّلاني إنّما الدّنيا علل ... ودعاني من ملام وعذل
وانشلا ما اغبرّ من قدريكما ... واسقياني أبعد الله الجمل «5»