الرحمن الثوريّ يعجب بالرءوس ويصفها ويسمّي الرأس عرسا لما تجمّع فيه من الألوان الطيّبة وكان يسميه مرّة الجامع ومرّة الكامل، ويقول: الرأس شيء واحد وهو ذو ألوان عجيبة وطعوم مختلفة، وكلّ قدر وكلّ شواء فإنما هو شيء واحد، والرأس فيه الدّماغ وطعمه مفرد، والعينان وطعمهما مفرد وفيه الشحمة التي بين أصل الأذن ومؤخر العين وطعمها على حدة، على أنه هذه الشّحمة خاصّة أطيب من المخّ وأنعم من الزّبد وأدسم من السّلاء «1» ، ثم يعدّ أسقاطه «2» كلها. ويقول: الرأس سيّد البدن، وفيه الدّماغ وهو معدن العقل، ومنه يتفرّق العصب الذي فيه الحس، وبه قوام البدن، وإنما القلب باب العقل؛ كما أنّ النفس هي المدركة والعين هي باب الألوان، والنفس هي السامعة الذائقة وإنما الأنف والأذن بابان. ولولا أنّ العقل في الرأس لما ذهب العقل من الضربة تصيبه؛ وفي الرأس الحواسّ الخمس. وكان ينشد:
همو ضربوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثمّ سائري «3»
وكان لا يشتري الرأس إلا في زيادة الشهر لمكان زيادة الدماغ، ولا يشتريه إلا يوم السبت لأن الرءوس يوم السبت أكسد، للفضلات التي تبقى في منازل التجار عن يوم الجمعة. وكان إذا فرغ من غدائه يوم الرأس، عمد إلى القحف «4» والى اللّحيين «5» فوضعه قرب بيوت النمل والذرّ، فإذا اجتمعن عليه أخذه ونفضه في طست فيه ماء، ولا يزال يعيد ذلك على تلك المواضع حتى