إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ... ولم أذمم الجبس اللئيم المذمّما «1»
ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه ... وشقّ لي الله المسامع والفما
قال ابن التّوءم: كلّ من كان، جوده يرجع إليه؛ ولولا رجوعه إليه لما جاد عليك، ولو تهيّأ له ذلك المعنى في سواك لما قصد إليك، فليس يجب له عليك شكر. وإنما يوصف بالجود في الحقيقة ويشكر على النفع في حجّة العقل، الذي إن جاد عليك فلك جاد، ونفعك أراد، من غير أن يرجع إليه جوده بشيء من المنافع على جهة من الجهات، وهو الله وحده لا شريك له.
فإن شكرنا الناس على بعض ما جرى لنا على أيديهم، فلأمرين: أحدهما التعبّد؛ وقد أمر الله تعالى بتعظيم الوالدين وإن كانا شيطانين وتعظيم من هو أسنّ منّا وإن كنّا أفضل منه. والآخر: لأن النفس ما لا تحصّل الأمور وتميّز المعاني، فالسابق إليها حبّ من جرى لها على يديه الخير وإن كان لم يردها ولم يقصد إليها. ألا ترى أنّ عطيّة الرجل صاحبه لا تخلو أن تكون لله أو لغير الله؛ فإن كانت لله فثوابه على الله؛ وكيف يجب في حجّة العقل شكره وهو لو صادف ابن سبيل غيري لما أعطاني؛ وإما أن يكون إعطاؤه إياي للذكر؛ فإن كان كذلك فإنما جعلني سلّما إلى حاجته وسببا إلى بغيته؛ أو يكون إعطاؤه إياي طلبا للمكافأة؛ فإنما ذلك تجارة؛ أو يكون إعطاؤه لخوف يدي أو لساني أو اجترار معونتي ونصرتي، وسبيل هذا معروف؛ أو يكون إعطاؤه للرحمة والرّقة ولما يجد في فؤاده من العصر «2» والألم، فإنّما داوى بتلك العطيّة من دائه ورفّه من خناقه «3» .