وإن كان حراما لم تكن أخذت منها إلا ما يقيمك كما يأخذ المضطرّ من الميتة، وإن كان عتاب كان العتاب يسيرا. ومثله قول بعضهم: ليس الزهد بترك كلّ الدنيا، ولكن الزهد التهاون بها وأخذ البلاغ منها. قال الله تعالى:
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ
«1» ، فأخبر أنهم زهدوا فيه وقد أخذوا له ثمنا.
قال أبو سليمان الدارانيّ: الرضا عن الله والرحمة للخلق درجة المرسلين، وما تعرف الملائكة المقرّبون حدّ الرضا. وقال: أرجو أن أكون قد نلت من الرضا طرفا، لو أنه تبارك وتعالى أدخلني النار كنت بذلك راضيا.
قال: وليس الحمد له أن تحمده بلسانك وقلبك مقتصر على المصيبة، ولكن هو أن تحمده بلسانك وقلبك مسلّم راض.
وقال أبو أبي الحواريّ: قلت لأبي سليمان: بلغني في قول الله تعالى:
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
«2» أنه الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد غيره؛ فبكى وقال: ما سمعت مذ ثلاثين سنة أحسن من هذا. وقال: كلّ قلب فيه شرك فهو ساقط. قال: وما في الأرض أحد أجد له محبّة ولكن رحمة. وقال:
ينبغي للخوف أن يكون أغلب على الرجاء، فإذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب.
وقال الفضيل بن عياض: أصل الزهد الرضا عن الله.