بيته، فلما قعد على سريره، خرّ منه فاندقّت عنقه فمات ابني وضلّ عملي وبطل نصيبي وتلف مالي، فخرجت إلى هذه البرّيّة أبكيه فيها لا أريد أن أرى أثرا من آثاره ولا أحدا من أصحابه، ولن أبرح أبكيه حتّى ألحق به. قال عزير: اذكري ربّك وراجعيه، فقد أصابت المصائب غيرك أما رأيت هلاك إيلياء وهي سيّدة المدائن وأمّ القرى؟ أو ما رأيت مصيبة أهلها وهم الرجال؟
قالت: إي، رحمك الله! إن هذا ليس لي بعزاء وليست لي بشيء منه أسوة، إنما تبكي مدينة خربت، ولو تعمر عادت كما كانت، وإنما تبغي قوما وعدهم الله الكرّة على عدوّهم، وأنا أبكي على أمر قد فات، وعلى مصيبة لا أستقيلها «1» ؛ قال عزير: فإنه خلق لما صار إليه، وكلّ شيء خلق للدنيا فلابدّ أن سيفنى، أما رأيت مدينتنا أصبحت خاوية على عروشها بعد عمارتها، وأوحشت بعد أنسها وأثاثها؟ أو ما رأيت مسجدنا كيف غيّر حسنه، وهدم حصنه، وأطفىء نوره؟ أو ما رأيت عزّ أهلها كيف ذلّ، وشرفهم كيف خمل، ومجدهم كيف سقط، وفخرهم كيف بطل؟ أو ما رأيت كتاب الله كيف أحرق، ووليّ الله كيف رفع، وتابوت السكينة «2» كيف سبي؟ أو ما رأيت نساء الملوك وبناتهم في بطون الأسواق حاسرات عن السّوق والوجوه والأشعار؟ أو ما رأيت الأشياخ الذين على وجوههم النور والسكينة مقرّنين في الحبال والقطار «3» ! أو ما رأيت