وصل إليّ كتاب منك، فما رأيت كتابا أسهل فنونا، ولا أملس متونا، ولا أكثر عيونا، ولا أحسن مقاطع ومطالع، ولا أشدّ على كل مفصل حزّا منه؛ أنجزت فيه عدة الرأي وبشرى الفراسة، وعاد الظنّ بك يقينا، والأمل فيك مبلوغا.
لا غيّبك الله عن مواطن العز والصنع، وأشهدك إياها بعلوّ يدك، وهبوب ريحك، واستقادة جميع أهلها بزمام طاعتك.
قد رميت غرض الباطل بسهم الحق وحللت عقال الشر بيد الخير. كنت سالما إن سلمت من عتبك.
أنا أتوسل إليك بحسن ظنّي بك، وأسألك بحق صبري على ظلمك لمّا سعفت بما سألتك.
ليس ينبغي لك أن تستبطىء فهمي وقد أسأت إفهامي.
من أبعد من البرء من مريض لا يؤتى من دائه إلا من جهة دوائه، ولا في علّته إلا من قبل حميته!.
لست في حال يقيم عليها حرّ أو يرضى بها كريم، وليس يرضى بهذا الأمر إلا من لا ينبغي لك أن ترضى به.
قد شخت في ذراك وهرمت في ظلّك، فإمّا رددت عليّ شبابي وأعدت إليّ قوّتي، وإما دفعت إليّ ما ينوب عن الشباب ويجبر الضعف، ولا بدّ من أحدهما، فاختر لنفسك واخرج إلينا من هذا الدّين؛ فقد أمسكنا عن التقاضي ما أمكن، وصبرنا على المواعيد ما صلح؛ ودعنا من الحوالة فإنّ الصنيعة لا تتمّ بالحوالة؛ وإن جاز أن تقيم لنا زعيما بالنعمة، جاز أن نقيم لك زعيما بالشكر؛ وإن جاز أن نؤمّلك ويحقّق آمالنا غيرك، جاز أن نشكر غير المنعم ونأمل غير المصطنع.