القوم: هؤلاء بالبسر «1» أبصر، فقال صحار: أجل، والله إنّا لنعلم أنّ الرّيح تلقحه وأنّ البرد يعقده «2» وأنّ القمر يصبغه وأنّ الحرّ ينضجه؛ فقال معاوية: ما تعدّون البلاغة فيكم؟ قال: الإيجاز؛ قال: وما الإيجاز؟ قال: أن تجيب فلا تبطىء، وتقول فلا تخطىء، ثم قال: يا أمير المؤمنين، حسن الإيجاز ألّا تبطىء ولا تخطىء.
أبو الحسن قال: وفد الحسن بن عليّ على معاوية الشام، فقال عمرو ابن العاص: إنّ الحسن رجل أفهّ «3» فلو حملته على المنبر فتكلّم فسمع الناس من كلامه عابوه؛ فأمره فصعد المنبر فتكلّم فأحسن؛ وكان في كلامه أن قال:
أيّها الناس، لو طلبتم ابنا لنبيّكم ما بين جابرس إلى جابلق «4» لم تجدوه غيري وغير أخي وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين. فساء ذلك عمرا وأراد أن يقطع كلامه، فقال: يا أبا محمّد، هل تنعت الرّطب؟ «5» فقال: أجل، تلقحه الشّمال وتخرّجه الجنوب وينضجه برد الليل بحرّ النهار؛ قال يا أبا محمّد، هل تنعت الخراءة «6» ؟ قال: نعم، تبعد الممشى في الأرض الصّحصح «7» حتّى تتوارى من القوم، ولا تستقبل القبلة ولا تستد برها، ولا تستنجي بالرّوثة ولا العظم، ولا تبول في الماء الراكد؛ وأخذ في كلامه.