ومضى عمرو إثر استنجاد شريك به، فالتقى بالروم في سطليس أو سنطيس[1]؛ حيث اقتتلوا قتالًا عنيفًا بها، وكانت العاقبة للمسلمين. وبعد مسيرة عشرين ميلًا التقى المسلمون بالروم عند الكربون، وكانت مسلحة عليها خيل ورجال[2]، وهناك اقتتلوا بضعة عشر يومًا قتالًا شديدًا، فقد كانت الكريون آخر سلسلة من الحصون قبل الإسكندرية، وإليها فر المنهزمون في سطليس، وانضموا إلى سائر جند الروم في مسلحة الكريون، وعليهم تيودور، الذي استمات في الصمود أمام العرب؛ إذ أدرك أنهم إن ينهزموا بالكريون تنكشف العاصمة أمام العرب، فرأى الحيلولة بين الغزاة وبلوغ الإسكندرية خيرًا من الدفاع عنها. وأخذ الروم ينسلون من الإسكندرية إلى الكريون، وأقبلت حاميات من سخا وخيس وبلهيب.
والتقى عمرو بالروم واشتد القتال شدة لم تؤلف فيما سبقها من المعارك، وظلوا هكذا حتى فصل بينهم الظلام، ثم استحر القتال في صبيحة اليوم الثاني، ثم انفصل الفريقان في آخره، وظل القتال هكذا دائرًا بضعة عشر يومًا، ترجح فيه كفة المسلمين تارة وترجح كفة الروم تارات، وأظهر الروم من ضروب البراعة والبسالة وشدة البأس وصلابة العود ما أدخل الروع في قلوب المسلمين، حتى لقد صلى عمرو صلاة الخوف ركعة وسجدتين مع كل طائفة من جنده، ولكن هذا لم يذهب عزم المسلمين ولم يضعف روحهم، بل زادهم صلابة وإيمانًا، ثم أنزل الله نصره وتم فتح الله للمسلمين، وقتل منهم المسلمون مقتلة عظيمة، وأتبعوهم حتى بلغوا الإسكندرية[3].
وكان الروم قد تحصنوا بالإسكندرية. وقدر عمرو أن هزيمتهم في الكريون لا بد أن تكون قد أدخلت الروع إلى نفوسهم، فلم يتردد عندما رأى ترقب الجند وحماستهم، فأمرهم أول مقدمهم باقتحام أسوار المدينة وأبراجها، ولم يشك المسلمون في أن المدينة ستفتح أبوابها لقاء هجمتهم، فاندفعوا مهللين فلم يرعهم إلا الحجارة العظيمة تتساقط عليهم مقذوفة من المجانيق المنصوبة فوق أسوار المدينة، ذلك أن تيودور أيقن أن الظفر [1] ستة أميال جنوبي دمنهور. [2] المسالك ص91. [3] ابن عبد الحكم ص66، بتلر ص251.