منهم الحصن فلاذت به، وفزع آخرون إلى النهر، ومال العرب فاستولوا على حصن أم دنين كرة أخرى، وانتصروا نصرًا مؤزرًا وطد أقدامهم في مصر[1].
ثم نقل عمرو عسكره من عين شمس إلى شرقي الحصن وشماله، وجاءته الأنباء بفرار حامية الروم إلى نقيوس، فجهز كتيبة استولت على إقليم الفيوم كله، وقوة أخرى استولت على إقليم المنوفية. وحينئذ أخذ الناس يفرون إلى الإسكندرية هلعًا[2]. ولم يكن عمرو ليبطره الظفر فيقصد إلى الإسكندرية قبل أن يفتض حصن بابليون، وحاصره وهو يعلم أن الحصار سيطول؛ لارتفاع النهر وتدافع تياره، ولمناعة الحصن واكتفائه بما فيه من ميرة وماء وعتاد. وكان الروم يرمون المسلمين بالمنجنيق، فيجيبهم العرب بالحجارة والسهام، ومضى شهر ولم يتزحزح المسلمون، بينما وهن الروم ويئسوا من وصول أمداد إليهم، فتشاور المقوقس مع قومه على التفاوض مع العرب، ورأوا أن تكون المفاوضة سرية، فتسلل مع جماعة من قومه، وركبوا السفن إلى جزيرة الروضة؛ حيث أرسلوا إلى عمرو يطلبون التفاوض معه، وكان رد عمرو بعد أن احتجز الرسل يومين أن يختاروا بين الإسلام أو الجزية أو القتال، فرد رسله يطلبون أن يرسل المسلمون رسلًا يحادثونهم. فبعث عمرو بعبادة بن الصامت ونفر معه. وتكلم عبادة وذكر ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحق والهدى، وأعجب المقوقس بكلامه، ومال إلى تهديده وإغرائه فلم يفلح معه، ولم يتزحزح عن واحدة من ثلاث خصال، وفشلت المفاوضات وعادت الحرب، وأمهلهم عمرو ثلاثة أيام، غير أن عمل المقوقس ذاع في الناس فثارت ثائرتهم، وأبوا إلا القتال.
وتجهز أهل الحصن، وخرجوا عند انتهاء الهدنة بغتة، فأخذوا العرب المسلمين على غرة، ولم تذهل البغتة العرب، وأسرعوا إلى سلاحهم، وقاتلوا الروم قتالًا شديدًا، فتكاثر المسلمون عليهم وألجئوهم إلى الحصن، بعد أن قتلت منهم مقتلة عظيمة[3].
وخاطب المقوقس عمرًا في الصلح فأجابه إليه[4]. وعلق نفاذ الصلح على رضا الإمبراطور، فإن قبل ذلك ورضيه جاز عليهم، وإلا كانوا جميعًا على ما كانوا عليه[5]. [1] بتلر ص320-323. [2] هيكل، الفاروق ص110. [3] بتلر ص262. [4] ابن عبد الحكم ص64. [5] نفس المرجع.