4- فتوح مصر وإفريقية:
كانت مسيرة عمرو بن العاص إلى مصر بإذن من عمر بن الخطاب؛ لكن عمر لم يأذن بهذا السير إلا بعد تردد طويل، استمر عامين أو أكثر، فالمتواتر أن ابن العاص خاطب الخليفة في غزو مصر حين فتحت بيت المقدس أبوابها للمسلمين، وبعد أن صالح أمير المؤمنين أهلها في السنة السادسة عشرة من الهجرة، حينما انسحب قائد الروم الأرطبون بقواته من فلسطين إلى مصر[1]. ولعل عمرًا أشار على الخليفة بتعقبه وهو منهزم، قبل أن تتاح له فرصة التحصن والدفاع والمقاومة في بلاد منيعة الحصون وفيرة الميرة، ولا سيما أن إطالة أمد التفاوض في حصار بيت المقدس، وطلب حضور الخليفة بنفسه لعقد الصلح لم يكن الهدف من وارئهما إلا كسب الوقت؛ حتى يتمكن أرطبون من الانسحاب بجنده إلى مصر.
ولعله أيضًا ذكره بما صنعه الروم حينما رأوا التجمع في مصر ليشنوا منها هجومًا على المسلمين. مستغلين في ذلك إمكانياتها البحرية كما حدث في حملة قسطنطين، التي خرجت من شواطئ الإسكندرية واستولت على أنطاكية. وكادت بمساعدة القبائل أن تزعزع فتوحات المسلمين. وليس شك في أن إدراك هذه الصلة بين مصر والشام ينم عن فهم لطبيعة المنطقة الجغرافية، والضرورات الحربية التي تحتم على المسلمين الاستيلاء على مصر لضمان استقرار مكاسبهم في الشام. ولكن الخليفة تردد وطال تردده، فقد كانت الحرب سجالًا بين المسلمين والفرس، وكان شمال الشام يعج بالثورة والانتقاض، بينما حدثت الكارثة التي هددت شبه الجزيرة بالفناء. ولم تكد المجاعة تنتهي حتى فشا طاعون بفلسطين وامتد حتى البصرة. وكان طبيعيًّا إذن أن ينسى الخليفة كل ما حدثه به عمرو بن العاص عن مصر.
ولما عادت شبه الجزيرة إلى مألوف حياتها، وبرئت الشام من الوباء، وجاء الخليفة إليها يصلح شئونها لزم ابن العاص أمير المؤمنين، يدلي إليه بحجج جديدة حتى يزيل [1] الطبري 1/ 5/ 2404.