responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : سرور النفس بمدارك الحواس الخمس نویسنده : التيفاشي، أحمد بن يوسف    جلد : 1  صفحه : 15
لهم إلى حسن الطاعة، فالمرئيات في النور بينة جداً، ولو خلق الظلمة بعد النور لكان هذا مما يخفي حسن الإنارة، ولكيما لا يصير للذين يعتقدون أن ههنا خالقين متضادين حجة، بأن يكون خالق الظلمة إذا كان يضاد خالق النور لما رآه قد خلق النور ضادَّه بخلق الظلمة.
فهذه آراء اليهود والنصارى بعد إيراد أقاويل المسلمين والمتفلسفين.
16 - وأما مذاهب العرب: فإنهم متفقون في كلامهم على تقديم الليل على النهار، وعلى هذا يؤرخون فيقولون: لخمس بقين ولست بقين من الشهر، والعلة الموجبة لذلك عندهم أن الشهر إنما تعلم بدايته بالهلال، فيكون أوله على ذلك الليل. وفي الحديث: " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته " [1] وفيه: " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر " [2] فقال ستاً ولم يقل " ستة " فدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم جعل بداية الشهر الليل، وإنما أراد بالصيام الأيام، إذ الليل لا يصام. وفى رواية " وأتبعه خمساً من شوال ". ووجه الحديثين أن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والستة التي بعده بستين يوماً، فذلك عام كامل. ومن روى خمساً فالشهر بعشرة، والخمسة بعده بخمسين يوماً، فتبقى عشرة منها ستة أيام تسقط بنقصان الشهر وأربعة أيام يوم الفطر وثلاثة أيام التشريق.
17 - ولأبي منصور صدرُ معنى مستطرف في تقديم الليل على النهار، يصف سوداء:
عُلّقْئُهَا [3] سوداء مصقولةً ... سوادُ عيني صفةٌ فيها
ما انكسفَ البدرُ على تِمّهِ ... ونورِهِ إلا ليحكيها
لأجلها الأَزمانُ أوقاتُهَا ... مؤرخاتٌ بلياليها 18 - وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال [4] : " لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح فإنها ترسل رحمة لقوم. وعذاباً لآخرين. وقال

[1] الحديث في النسائي (صيام: 8) ومسند أحمد 4: 321 والجامع الصغير [2]: 47 واتقان الغزي: 114.
[2] اتقان الغزي: 187 والجامع الصغير [2]: 174.
[3] ص: حمراء.
[4] في اتقان الغزي: 220 ولا تسبوا الريح فإنها من روح تأتي بالرحمة والعذاب، وثمة تخريجه، ولم يرد قوله: لا تسبوا الليل ... الخ، ولكن هذا مضمن في قوله: ((لا تسبوا الدهر)) ويزاد في رواية ((أقلب ليله ونهاره)) .
الطبيعة وظواهرها، والمجتمع في شتى نماذجه، حتى ولو كانت تلك النماذج مما يتصل بالعالم الخفي - عالم المباذل والشذوذ؛ ولقد علمته التجربة أن الظرف والانبساط لا يصلح في كل الأحوال، وأنه قد يكون خطراً على صاحبه في بعض المواقف، ولذا نجده يقول: " الواجب بعد هذا كله تجنب الانبساط مع غير أهل الأدب، فإن الانبساط مع العوام مهلك للعرض متلف للجاه والحرمة " [1] ، ولكن يبدو أن هذا المبدأ قاعدة نظرية، وحسب.
ولقد كسب له حب استطلاعه سعة في التجربة، وفهماً لدواخل الأمور وبواطن الظواهر، وطبعه على الحذر والترقب، ولكن يبدو أن التجربة الواسعة لم تستطع أن تنزع من نفسه طيبة متأصلة، كانت تبادر حذره فتسبقه وتأخذ عليه الطريق، ولعل في القصة التالية ما يشير إلى ذلك، كان ذات يوم ماراً بدمشق يجتاز جسراً على نهر بردى، فإذا بغلام صغير السن دون البلوغ عريان يبكي، والغلمان يسبحون في النهر دونه، والناس يمرون به يميناً وشمالاً ولا يكلمونه، فأدركته عليه شفقة وأراد أن يتعرف خبره، فسأله عما به، فلم يرد وأمعن في البكاء والضجيج، وتبرع غلام آخر بالحديث نيابة عن الأول وقال للتيفاشي: يا سيدي هذا غلام جاء يسبح، ووضع ثيابه على الحجر فسرقت، وله أم عجوز صالحة تقتله اليوم إن رجع لها عرياناً، وقد جمع له الناس بعض النقود ليشتري بها قماشاً، فحفزت الأريحية التيفاشي إلى أن استخرج منديل نقوده ليدفع له شيئاً، وإذا بشاب من بعد يشير إليه: لا تفعل، فمشى إليه وسأله عن السبب، فقال ذلك الشاب: هذا الغلام العريان مقامر، عادته أن يفعل ذلك ثم يأخذ ما يحصل له ويقامر به، وهو شيطان والناس يعرفون ذلك منه، وإنما يصطاد الغرباء. قال التيفاشي: فوفر علي دراهمي، فجزيته خيراً وانصرفت [2] ؛ طيبة تشبه الغفلة، ومع ذلك فإنها وسعت مجال تجربته، وكشفت له عن نموذج لم يكن يعرفه من التحيل، وربما أفادته فزادته حذراً.
مثل هذه الشخصية يخضع لواقع الحياة أكثر مما يخضع لقانون أخلاقي، ولذلك لم استبعد أن يكون قد عزل عن القضاء لشربه الخمر؛ ذلك لأن الإقبال على الخمر كغيره من المباذل الاجتماعية، موجود يأخذه على أنه قضية مسلمة، ويتحدث عنه حديث عالم الاجتماع. ومن هذه الواقعية أن يقول:

[1] نزهة الألباب (نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم: 1533) ص: 5.
[2] نزهة الألباب: 88 - 89.
نام کتاب : سرور النفس بمدارك الحواس الخمس نویسنده : التيفاشي، أحمد بن يوسف    جلد : 1  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست