نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 69
أو لست أنت وشيعتك، إذا سمعت الحادين بالرجز رحبت خطوتك وامتدت عنقك، وأدركتك أريحية في سيرك؟ وإنما عنيت الرجز داء يلحقك في عجزك فلا تقدر على القيام. قال " أوس بن حجر ":
أَلا تقبل المعروفَ مني تعاوَرَتْ ... منولة أَسيافاً عليكَ ظِلالُها
هَممْتَ بمعروفِ فقصَّرتَ دونَه ... كما هَمَّت الرَّجْزاءُ شُدَّ عِقالُها
وقال آخر:
أُلِيحَ بأَعْلاهُ وأَبْقَى شَرِيدَه ... روائمُ وُرْقٌ بينهن خَديجُ
ثلاثٌ صَلَيْنَ النارَ حَوْلاً وأَرْزَمَتْ ... عليهن رَجْزاءُ القيام هَدُوجُ
يعني برجزاء القيام: قدراً أو ريحاً: استعارة من الناقة.
وإذا وقع في ظنك ما وقع من تأول الرجز، فلا ريب أنك تحسب قولي: وأخذ القصيد منك، معنياً به القصيد من الشعر. وأي رزء يلحقك في ذلك؟ فتقول في نفسك: إذا ترك لي الرجز فما أحفل بفقد الشعر بعد. وهل أدركتني المنفعة بما روى عن " امرىء القيس " وغيره إلى اليوم؟ ولم أعن القصيد من الشعر، وإن كان الركبان ربما تغنوا فوق الإبل على غير معنى الحدو فأذنت لذلك. قال " النميري ":
وخُودٌ منَ اللاتي تَسَمَّعْنَ بِالضحَى ... قَريضَ الرُّدا فَى بالغناءِ المُهَوَّدِ
وقال " ذو الرمة ":
خَلِيلَيَّ أَدَّى اللهُ أَجْراً إِليكما ... إِذا قُسِمَتْ بين العِبَادِ أجورُها
بِمَيٍّ إِذا أدْلِجتُما فاطرُدَا الكَرَى ... وإِن كان آلَى أَهلُها لا نَطُورُها
وقال آخر:
فقُلتُ لِردْفِي نالَكَ الخَيرُ غَنِّنَا ... بِأَسماءَ وارفَعْ من صُدورِ الركائبِ
فهذا يدل على غنائهم بالنسيب وهم في أكوار الإبل، يعللون الأنفس بذلك.
وإنما عنيت بالقصيد: المخ الغليظ، وهو دليل على السمن وحسن الحال، فأردت: أن يطير مخك ريراً من ضرك وهزالك.
ولعلك تعجب في نفسك من قولي: أخذ منك القصيد، ثم أقول بعد ذلك: لا فارقت مسمعك قصيدة إما قصيرة وإما طويلة. فتقول: ما معنى هذا الكلام المتناقض؟ ولا تشعر أني عنيت بالقصيدة: العصا، لأنها تقصد من الشجر، أي تكسر، قصدت العود فهو مقصود. قال " أبو زبيد الطائي ":
فدعَا دَعوةَ المُخَنَّقِ والتَّلْبي ... بُ منه بِعَامِلٍ مَقْصُودُ
ولعلك سبق إلى وهمك أني أردت بقولي: لا بركت إلا على ضب، هذا الضب الذي يحترش، فتقول في نفسك، من غباوتك: وما الذي يلحقني من ضب أبرك عليه؟ ليس بأفعى تنكز، ولا ذي شر يرهب، وإن كان حياً هرب مني إن اتفق لي أن أبرك عليه. وإن كان ميتاً فإنه والأرض لمتساويان.
وإنما الضب الذي عنيت: داء يصيب خفك فيرم منه صدرك، ويقال لك: أسر، عند ذلك، ولا يمكنك أن تبرك إلا متجافياً في المبرك قال الشاعر:
وأَبِيتُ كالسَّرَّاءِ يَربُو ضَبُّها ... فإِذا تَحَزْحَزُ عن غِداءٍ ضجَّتِ
وهل وقع في نفسك أن قولي في الدعوة عليك: وألفك ابنا دايتك، أريد بهما ابني ظئرك؟ فما كنت إذاً إلا في حاجتك! وإنما عنيت بابني دايتك: غرابين ينقرانك ويعجلانك زهوق النفس، لا تقدر لهما على أذاة.
وتظن أن قولي: زايلك غراباك، مراد به أن يطير عنك الغرابان؟ وهيهات! إنما أردت بهما رءوس الوركين. وأي خير يبقى عندك إذا زايلاك؟ قال " ذو الرمة ":
وقَرَّبْنَ بالزُّرْقِ الجمائلَ بعدما ... تَقَوَّبَ عن غِرْبَانِ أَوْرِاكِها الخَطَرُ
وكأني بك تفكر في معنى قولي: عظمت سعدانتك فسررت. وتقول في ضميرك: ما يضرني من عظم سعدانتي؟ وإنما الغرض: أن يصيبك داء في سعدانتك فترم، فييأس منك صاحبك فيسرك، أي يطعنك في سرتك.
وهل تعجبت من قولي: طارت حمامتك ووقعت رخمتك؟ وقصدي بالحمامة هنا: سعدانتك، وهي كركرتك. تسمى بهذين الاسمين، استعيرا لها من الطائر لأن الحمامة يقال لها: سعدانة.
قال الشاعر:
إِذا سَعْدانةُ الجَبَلَيْن ناحَتْ ... عَزَاهِلُها سمعتَ لها عَرينا
والمعنى: أنك تنحر فتؤخذ كركرتك. يقال، طار بيده كذا إذا أخذه.
وقولي: وقعت رخمتك، يحتمل وجهين: أحدهما، أن تموت حتف أنفك، أو بسير مهلك، فتبقى خائستك للطير العافية.
والآخر، أن تحر فيقع الرخم على ما يبقى في الأرض من أثرك.
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 69