responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء    جلد : 1  صفحه : 40
وما إِن طِبُّنَا جُبْنٌ ولكنْ ... منايانا ودولةُ آخَرِينا
وهو كثير في الشعر وغيره. فلما كانت " ما " في قوله " يرجى المرء ما إن لا يراه، على لفظ النافية، دخلت بعدها إن، وإن كانت في معنى: الذي وهذا شاذ لا يقاس عليه، ولا يسلم لك أن تحتج بمثله.
ولعلك تزعم أن الديك مغن، وتحتج بالأبيات التي أنشدها " أبو ربيعة " في كتاب النسيب، والأبيات:
حلفتُ يميناً للأُضاخِيِّ بَرَّةً ... وأُخرى على أَمثالِها أَنا حالِفُ
لقد شاقني تَحنانُ عَجْلَى ودونَها ... من الدّرْب بابٌ مُغْلقٌ وسَقائِفُ
لَعَمْري لَئِنْ أَصبَحت في دَارِ تَوْلبٍ ... يُغَنِّيك بالأسحارِ ديكٌ قُراقِفُ
لقد طال ما غنَّيتَ في الشَّوْل لم تَزُرْ ... خليلاً ولم يَأْلفْ بكَ الحَيَّ آلِفُ
وكم من حبيبٍ قد أَزَرْتِ حبيبَه ... وآخرَ قد نجَّيتِه وهو ذائِفُ
وكلُّ المطايا بعدَ عَجْلَى ذميمةٌ ... قلائدُ والمُبْرَياتُ الطرائف
فإنما قال: يغنيك، حتى يتفق له الوزن. ولو كان وزن الشعر يصح بقوله: يؤذن لك، أو: ينبهك، أو: يطربك، لعدل إليه.
ولا ريب أنك لم تر الحمامة أهلاً لتعلمها أحكام الدين، كما رأيت البازي أهلاً لذلك. لأن الحمامة بظنك مغنية، وتستدل على مذهبك بإجماع الشعراء. لأنها توصف بالغناء في سالف الدهر، وقد لزمها ذلك إلى هذا العصر، وإذا لم تظهر التوبة من المغنية وجب أن لا يحكم عليها بالدين. وهؤلاء الذين شهدوا عليها بالغناء يصفونها أيضاً بالنياحة والبكار. فهذان القولان متناقضان: أحدهما وصف بالفرح والآخر وصف بالحزن والترح. فعلى أي القولين تقول؟ إن كانت نائحة بأجر فلعمري إن ذلك لمن المنكرات، وإنها لأثبت على هذا الخلق من " ابنة الجون " النائحة المشهورة التي كانت في العرب. وقد ذكرها " المثقب " فقال:
كأَنما أَوْبُ يَدَيْها إِلى حَيْ ... زومِها فوق حَصَى الفرقدِ
نَوْحُ ابنةِ الجَوْنِ على هالكٍ ... تَندُبُه رافعةَ المِجْلَدِ
وإن كانت تنوح لنفسها دون غيرها من الأنيس والطير، فلعلك تؤاخذها بالحديث المروي عنه صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة من أمر الجاهلية: النياحة، والطعن في الأنساب، والأنواء ".
وهذه كلها دعوى من أهل الشعر، وليست الحمامة في الحقيقة مغنية ولا نائحة. وقد ادعى عليها " صخر الغي " إبانة عما في الصدر فقال وذكر الحمامة:
تَجِهْنا غادِيَيْنِ فساءَلتْني ... بواحِدِها، وأَسأَلُ عن تَليدِ
فقلتُ لها: فأَمَّا ساقُ حُرٍّ ... فبَانَ مع الأَوائلِ من ثمودِ
فقالت: لن تَرى أَبداً تليداً ... بِعَيْنِكَ آخِرَ الدهرِ الجَدِيدِ
كِلاَنا رَدَّ صَاحبَه بِيَأْسٍ ... وأَشجانٍ وتأْمِيلٍ بعيدِ
وقد بلغك دعوة " نوح " صلى الله عليه وسلم لها، وأداؤها الأمانة له لما أرسلها. قال الشاعر:
وقد هَاجَني صوتُ قُمْريةٍ ... هتوفِ العَشِيِّ طروبِ الضُّحَا
مُطَوَّقةٍ كُسِيَتْ حُلَّةً ... بدَعوةِ نوحٍ لها إِذ دَعَا
من الوُرْقِ نوَّاحَةٍ باكرتْ ... عَسِيبَ أَشَاءٍ بِذَاتِ الأَضَا
تغَنَّتْ عليه بشَجْوٍ لها ... يُهَيِّجُ للصبِّ ما قد مَضَى
ألا ترى إلى مناقضته كيف جعلها نواحة مغنية في حال واحدة؟ ولعل صوتها تسبيح للقادر المجيد، ليس بنياحة ولا غناء.
وقولك في الحكاية عن " علي " عليه السلام: أنه كان يوطأ الجليل في زمانه بالقدم. فإنه كان لا يزيد جلة القوم عنده إلا رفعة ما ثبتوا على الديانة. فإذا زاغوا من المنهج وعدلوا عن المحجة خش أنوفهم بالذلة وعرنها بالصغار.
وقولك: إنه كان إذا رأى نبيذاً في الجر سأل عنه، فإن كان له أهل ألزمهم النفقة عليه وإلا جعل نفقته من بيت المال.
فنبيذ الجر إن كان مما يجوز أن يشرب فأي نفقة تلزم عليه؟ وإن كان مسكراً أريق، فأي فرق بين نبيذ في الجر ونبيذ في السغد أو المشاعل؟ ألا تسأل ربك أن يحل عدة الكذب عن لسانك؟ وإنما دعواك هذه الباطلة كدعواك في الخل.

نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء    جلد : 1  صفحه : 40
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست