نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 29
وإذا وردت هذه المقراة فقد كفيت وكفى صاحبك. وإنما ذلك بودج من آدي وشفيع من قوتي ووقت يضيع من عمري ودأب يقوض ما رفعه الربيع والعلف من أجلادي. وليس لسقيك عصبت عيناي ولا من أجلك قرى هذا الماء، وإنما ترد إن كنت عزيزاً ورد الظالم. فإن عجزت عن ذلك هجمت هجوم الواغل. أفصرورة أنت فترجو أن حجك يكفر عنك إثمك؟ أم قد سلف حجك؟ فبعداً لك! تظلم وقد رأيت الكعبة وعاينت ما سفك ب " مني " من الدماء.
قد كان ينبغي لك ألا تسمع كلام أحد الخصمين قبل الآخر، وأن تأخذ بقول العرب: وجه المحرش أقبح. ألم يبلغك ضرب العامة المثل بكذب الفاختة؟ أفما استحييت أن تنقاد طوعاً لطائر، في وزن جسدك بوزنه ما شاء الله من المرار؟ وأي صداقة بينك وبين ذوات الأجنحة ومنهن الغراب الذي ينقر عينك وأعين أبناء جنسك، وأنتن رذايا بالفلاة؟ وإنما سمي ابن دأية لأنه يقف على دأية البعير. وأشد ما في ذلك أنه لا يتركه حتى تزهق نفسه، بل يعجله خروج النفس ولفظ المهجة وقال قال الراجز:
يا عجباً للعجَبِ العُجَابِ
خمسةُ غِرْبانٍ على غرابِ
يعني بالغربان الخمسة: بنات دأية. وبالغراب: رأس ورك البعير. وإنما قالوا في المثل: " أعور، عينك والحجر " لأن الرجل منهم يكون له بعير به دبرة فيقع عليها الغراب فيخشى أن يرميه فيصيب الدبرة فيقول هذه المقالة. يعني بالأعور الغراب، أفلا ترى إلى سوء طمعه وحرصه وقلة انتظاره ما أشرف على الهلكة من الركاب؟ قال الشاعر:
وإِذا أَحُلُّ قُتُودَها بِتَنوفةٍ ... جعلت تُلِيحُ إِلى الغُرابِ الأعوَرِ
وقد كان من الحق عليك ألا تصدق أقوال ذوات الريش على ذوات الأربع. ألستن معاشر الإبل إذا كان بكن الدبر جعل عليكن الريش ينفر به عنكن طمعة الطير؟ قال " ذو الخرق ":
لمَّا رأَتْ إِبلي أَمستْ حُمولتُها ... جُرْباً عِجافاً عليها الريشُ والخِرَقُ
وقال آخر:
ألا مَنْ لمولى لا يزال كأنه ... من الضّغن والبغضاء ريشةُ غاربِ
ولو كان الحديث كما بلغك لوجب أن تحتمل وتصفح لأنك مشاكهي في البلوى ببني آدم، وقسيمي في عناء يقع بنا من البشر قد أعفيت منه الطير لا سيما الذي لا يؤكل منها. أليس الإبل النواضح في " يثرب " وغيرها من بلاد النخل، وعليهن تقطع مفاوز الأرض وبهن يكابد الهجير في اليوم الحمت؟ فهلا زجرك ما تذوقه من المشقة أن تعتمد بائساً مثلك فتوقع به الأذية؟ ولعلي كنت أرثي لك ولغيرك من ذوات المشفر إذا سمعت قول الراجز:
قد قلتُ يوماً للغراب إِذ حَجَلْ
عليكَ بالقُودِ المسانيفِ الأُوَلْ
تَغَدَّ ما شئتَ على غير عَجَلْ
التمرُ في البئرِ وفي ظهرِ الجملْ
فمعنى هذا أنه يستقي الماء من البئر على ظهر الناضح، فإذا سقى النخل جاء بالتمر.
وقد غادرت بجحفلتي حبراً هو أعظم من حبر " بنت مصان ".
ولو كان لي سبيل ولك إلى أن نتحاكم إلى قاضي البهائم أبي الحسل، إذاً لحاكمتك إليه؛ فلعله كان يحكم لي عليك بأن تنوب عني شهراً أو أكثر من شهر. فتعالى هاري من أين قدرت لي في هذا اليوم؟ إن قالت العرب: " جاءتك بحائن رجلاه " فأنا أقول: جاءت بك إلى حائن رجلاك. أفما علمت أنك وهذه المطايا والحمولة التي في رفقتك تصيب نقعاً من قبل استقائي الماء لورودك وورودهن؟ ولا أمن عليك ذلك، ولكن غير أحق بمضارتك وأولى بشراسة خلقك. فإن شئت أن تخرج إلي من حق هذا الكلم فتكون قد خرجت من حزب الظالمين، أو أدعو عليك في كل صباح ومساء وجهمة تقبل وهزيع ينصرم وفجر يسفر وشمس تشرق.
نام کتاب : رسالة الصاهل والشاجح نویسنده : المعري، أبو العلاء جلد : 1 صفحه : 29