نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 349
ثرائهم قد أقاموها على نظام هندسي يجعلها سجسجا لا حر ولا قر، وكأنها من حجرات الجنة، وهذا باب آخر من المديح.
وذكر عبد القاهر قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} [1].
فقوله: يسقون، وتذودان، ولا نسقي، فسقى لهما، والمراد: يسقون أغنامهم أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما، وقالتا: لا نسقي غنمنا، فسقى لهما غنمهما، ولكنه حذف ليتوفر الكلام على إثبات الفعل للفاعل، وكأن سيدنا موسى عليه السلام رق لهما لما كان منهما سقى وذود، ولو ذكر المفعول وقال: غنمهما لأوهمت العبارة أن سيدنا موسى رق لذودهما الغنم، وما في ذود الغنم خصوصًا من مزيد عناء لشدة تفلتها وصعوبة ضبطها، ولو كان منهما ذود إبل لجاز أن يدعهما سيدنا موسى عليه السلام، وليس هذا مرادًا، وراجع عبارة عبد القاهر في "دلائل الإعجاز".
وقد يقصد بالحذف إبهام المعنى لتوضيحه بما ريد بعد المحذوف، وبناء الكلام على الإيضاح بعد الإبهام من المزايا البلاغية في صياغة العبارة، وأمسها بطبائع النفس، فقد فطر الله الناس على التعلق بما يجهلون مما يلوح لهم منه طرف من العلم والانكشاف، أما ما لا يلوح منه هذا الطرف فإن الناس في غفلة عنه، والأسلوب المختار هو الذي يهتدي إلى فطرة هذه النفس، ويأتيها من جهتها، وحينئذ يمتلك زمامها وتسلس له قيادها، ودونك بعض هذا مما ذكره الأئمة:
يقول البحتري: "من الكامل": [1] القصص: 23، 24.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 349