نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 323
وهذا الفرق الكائن في أصل الدلالة كما ترى، هو الذي تتفرع عنه الدلالات البلاغية لهاتين الأداتين، ويظهر ذلك في تحليل الشواهد.
خذ قوله -تعالى-: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [1]، فإنه لما كان مجيء الحسنة أمرا مقطوعا به جيء بلفظ إذا، عرفت الحسنة تعريف الجنس ليشتمل كل ما هو من جنس الحسنات، وشأن هذا أن يقع كثيرا، وذكر لفظ "إن" مع إصابة السيئة؛ لأن إصابة السيئة نادرة بالنسبة لإصابة الحسنة، وقد نكرت السيئة لإفادة التقليل، فأشارت إلى هذه الندرة.
ومثله قوله -تعالى-: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [2]، جيء بإذا في جانب الرحمة للإشارة إلى أن إذاقة الناس قدرا قليلا من الرحمة أمر مقطوع به، ولإفادة هذا المعنى نكرت الرحمة لتفيد التقليل، فيكون التقليل أقرب إلى القطع بالوقوع، وقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} ، فأفاد أن إصابة السيئة لهم أمر غير مقطوع به، وأن الله لا يؤاخذهم دائما بما قدمت أيديهم، ولكنه يعفو عن كثير.
أما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ} [3]، جيء فيه بلفظ: "إذا" مع الضر، وهذا بخلاف الطريقة في الآيتين السابقتين وذلك؛ لأنه ذكر هنا لفظ المس والمس أقل من الإصابة، ونكر الضر ليفيد قدرا يسيرا من الضر، وذكر لفظ الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضر، والحديث عن الناس الذين إذا مسهم الضر دعو ربهم منيبين إليه، وإذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون، فكان في هذا إشارة إلى أن مس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء، حقه أن يكون في حكم المقطوع به.
ومثله: {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [4]، جاء بلفظ "إذا" مع [1] الأعراف: 131. [2] الروم: 36. [3] الروم: 33. [4] فصلت: 51.
نام کتاب : خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني نویسنده : محمد محمد أبو موسى جلد : 1 صفحه : 323