ليسَ لهم مجدٌ سوى مسجِدٍ ... به تَعدّوا فوقَ أطوارهمْ
لو هُدِمَ المسجدُ لم يُعْرَفوا ... يوماً ولم يُسمعْ بأخبارهم
آخر:
بنو فلانٍ مجدُهم دارهُم ... وكلُّ قومٍ لهمُ مجدُ
وقال الأعشى:
هم الكَشوثُ فلا أصْلٌ ولا ورَقٌ ... ولا عَمودٌ ولا ظِلٌّ ولا ثمرُ
وقال أعرابيّ في أخيه:
لئيمٌ أتاهُ اللؤمُ من عند نفسِه ... ولم يأتِه من إرثِ أُمٍّ ولا أبِ
آخر:
فما ذنبُنا إنْ جاشَ بحرٌ برغمِكُمْ ... وبحرُكَ مَحْلٌ لا يُواري الدَّعامِصا
فلو كنتُم نمْراً لكنتم جَزامةً ... ولو كنتُم نَبْلاً لكنتُمْ مَشاقِصا
قال الله تعالى ذكره) والشعراء يتّبعهم الغاوون. ألم تر أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون. وأنّهم يقولون مالا يفعلون. إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (، استثنى الذين ينتصرون بالهجاء ممَّن ظلمهم، ثمَّ لم يقتصر عزّ وجلّ حتَّى أوعد من ظلم الشعراء ولم يعرف قدرهم، فقال: وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
وقال عزّ اسمه) لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلاَّ من ظلم (، قيل في التفسير: منع الضيافة.
وقال النبيّ عليه السلام لما هجته قريش لحسّان: أجبهم، ثمَّ قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: قل وجبريل معك، وقال: اللهم أيده بروح القدس، فقال حسان:
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه ... وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
هجوتَ محمداً برّاً حَنيفاً ... رسولَ الله شيمتُه الوفاءُ
أتهجوهُ ولستَ له بكُفْءٍ ... فشرُّكما لخيركما الفِداءُ
فإنَّ أبي ووالدَه وعِرضي ... لعرضِ محمدٍ منكم وِقاءُ
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحطيئة: بئس الرَّجُل أنت، تمنع إبلك وتهجو قومك. ولما قال الحطيئة للزبرقان بن البدر:
دَعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيَتِها ... واقعدْ فإنَّكَ أنتَ الطاعمُ الكاسِي
استعدى عليه عمر، فقال: قد أحسن إليك، جعلك تطعم وتكسو، فقال: يا أمير المؤمنين، فأين طلب المعالي وما يليق بأمثالي؟ فقال عمر: سلوا عنه لبيد وحسَّان، فسألوهما، فأمَّا لبيد فقال: ما يسرّني أنَّه نالني من هذا البيت ما نال الزبرقان وأنَّ لي حمر النّعم. وأمَّا حسان فقال: ما هجاه ولكن ذرق عليه. فحبس عمر الحطيئة.
ويقال: إنَّ أزنى الزناء شتم الأعراض، وأشدّ الشَّتم الهجاء والرواية أحد الشاتمين.
وجاء بنو العجلان إلى عمر رضي الله عنه فاستعدوه علَى النجاشي، وقالوا: قد هجانا، فقال: وماذا قال؟ فقالوا: قال:
إذا اللهُ عادَى أهل لؤم وقلَّة ... فعادَى بني العجلان رهط ابن مقبل
فقال عمر: هذه دعوة، وإن كان مظلوماً رجوت أن يستجاب له، قالوا: فأين قوله:
قبيلته لا يغدرون بذمّة ... ولا يظلمون النَّاس حبّة خردل
فقال عمر: ليت آل الخطّاب كذلك، قالوا: فأين قوله:
ولا يردون الماء إلاَّ عشيّة ... إذا صدر الورّاد عن كلّ منهل
فقال عمر: ذاك أروى للإبل وأقلّ للزحمة. قالوا: فأين قوله:
تعاف الكلاب الضاريات لحومهم ... ويأكلن من عوف وكلب ونهشل
فقال عمر: ذلك لأنهم لا يستعملون السنّة في دفن موتاهم وقتلاهم، قالوا فأين قوله:
وما سمّي العجلان إلاَّ لقولهم ... خذ القعب واحلب أيها العبد واعجل
فقال عمر: سيّد القوم خادمهم، وكلّنا عبيد الله. ولم يكن هذا لسوء معرفة بانتقاد الشعر ولكن استعمل قول النبيّ عليه السلام " ادرؤا الحدود بالشبهات، وادرؤا الحدود ما استطعتم ".
ونبغ في بني حزام شاعر، فهجا الفرزدق فأخذوه وكتّفوه وجاءوا به إلى الفرزدق فقالوا: إنَّ هذا قد هجاك فخذ منه حكمك ولا تطلق فينا لسانك فقد مكّناك منه، فأطلقه الفرزدق وخلاَّه، ثمَّ أنشأ يقول:
فمن يكن خائفاً لبنات شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حزام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام