نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 70
حنكة وحكمة بالغة، وقد اشتهر من بينهم حُكَّام تجاوزت ألمعيتهم حدود قبائلهم[1]، مثل عامر بن الظَّرب وأكثم بن صييفي، وكانت تفزع إليه القبائل في خلافاتها الكبيرة التي يصعب حلها في دائرة قبائلهم وشيوخهم، وقد يفزعون فيها إلى الكهنة والعرَّافين.
على أن هناك آفات كانت تشيع في هذا المجتمع الجاهلي لعل أهمها الخمر واستباحة النساء والقمار، ونحن نجد الخمر تجري على كل لسان، وقد اشتهر بالحديث عنها وعن كئوسها ودنانها وحوانيتها ومجالسها أعشى قيس وعدي بن زيد العبادي الحيري، وعرض لها كثيرون في أشعارهم مفاخرين بأنهم يحتسونها ويقدمونها لرفاقهم. وأكثر من كان يتجر بها اليهود والنصارى، وكانوا يجلبونها لهم من بُصرى وبلاد الشام ومن الحيرة وبلاد العراق، ويقال إنهم كانوا يضربون خيامهم في بعض الأحياء أو في بعض القرى ويضعون فوقها راية تعلن عنهم، فيأتيهم الشباب ليشربوا وليسمعوا بعض القيان ممن يصاحبهم. وكان من الشباب من يدمن عليها حتى تنفر منه قبيلته، وقد تخلعه لما يتدنى فيه من رذائل، على نحو ما يروى عن البَرَّاض بن قيس الكناني أحد أدلاء القوافل في الجاهلية؛ إذ كان سكيرًا فاسقًا؛ فخلعه قومه وتبرأوا منه[2]. ويقول طرفة في معلقته:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي3
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد4
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي5
فمنهن سبق العادلات بشربة ... كميت متى ما تعل بالماء تزبد6 [1] انظر في حكام العرب كتاب "المحبر" ص 132 [2] أغاني "طبعة الساسي" 19/ 75.
3 الطريف: المال الحديث، والمتلد: المال القديم.
4 تحامتني: تجنبتني، المعبد: الأجرب.
5 عود: جمع عائد أو عائدة، ويقصد من يعودونه عند الوفاة ويبكونه، والجد: الحظ والبخت.
6 الكميت: الخمر، يقول إنه يباكر شرب الخمر قبل انتباه العواذل.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 70