نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 51
كتابه عنها أنها كانت جمهورية كجمهورية البندقية التجارية[1]، وقد وقف طويلًا عند ملئها ونظامها التجاري المعقد. ومعروف أنه كان بها مَلأ يجتمع بدار الندوة، وهو مجلس شيوخ مصغر، لم يكن يدخله إلا من بلغ أربعين سنة، وكانوا يختارون على ما يظهر حسب ثرائهم وخدماتهم التي يؤدونها وهم سادة بطونها في البطاح وكانوا ينظرون في شئونها التجارية والدينية. وكانت تشبه مصرفًا كبيرًا، به المكاييل والموازين والبيع الحاضر والمؤجل والربا وصنوف المضاربة المختلفة. واشتهر فيها بيتان بالثراء هما بيتا الأمويين والمخزوميين، وكان للأولين أكثر قافلة بدر، ولعل ذلك ما جعل أبا سفيان يرأسها، وفي الاشتقاق لابن دريد معلومات طريفة عن ثروات المخزوميين، وكان منهم من يسمى ربَّ مكة[2]. ولم يكن الثراء خاصًّا بهذين البيتين؛ فقد كان عبد الله بن جدعان وهو من تَيْم ثريًّا ثراءً مفرطًا، وشبهه بعض الشعراء بقيصر، فقال3:
يوم ابن جُدْعان بجنْب الحَزْوَرَه ... كأنه قيصر أو ذو الدَّسْكره
وكان كثير من العرب يرى سادة قريش فوق آل جفنة الغساسنة؛ بل فوق كسرى وآل كسرى، وكانوا يقصدونهم بالمديح طلبًا للعطاء والنوال، ومديح أمية بن أبي الصلت في عبد الله بن جدعان مشهور.
وبهذا كله كانت مكة أهم مدينة عربية في الجاهلية؛ إذ كانت مثابة للعرب وأمنًا. وكان مجتمعها يتألف من قريش البطاح الذين ينزلون حول الكعبة، وهم: هاشم وأمية ومخزوم وتيم وعدي وجُمَح وسهم وأسد ونوفل وزهرة، وكانوا أصحاب النفوذ فيها، ومن قريش الظواهر الذين ينزلون وراءهم ومعهم أخلاط من صعاليك العرب والحلفاء والموالي، والعبيد وكان أكثرهم من الحبشة، ويظهر أنهم كانوا كثيرين كثرة مفرطة، ولعل مما يدل على كثرتهم أن هندًا بنت عبد المطلب أعتقت في يوم واحد أربعين عبدًا من عبيدها[4]، وكانوا يقومون على حرف ومهن كثيرة. ومن غير شك كان يعيش سادة قريش معيشة مترفة، بحكم ثرائهم واتصالهم بالفرس [1] Lammens La mecquep, 175 [2] الاشتقاق ص 60و 92.
3 معجم ما استعجم للبكري "طبعة السقا".
مادة حزورة 2/ 444. والحزورة: الرابية. [4] المحاسن والأضداد ص77 وقارن بالأغاني "طبعة دار الكتب" 1/ 65.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 51