نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 297
فَكُن كَأَبيكَ أَو كَأَبي بَراءٍ ... تُوافِقكَ الحُكومَةُ وَالصَوابُ1
وَلا تَذهَب بِحِلمِكَ طامِياتٌ ... مِنَ الخُيَلاءِ لَيسَ لَهُنَّ بابُ2
وَإِنَّكَ سَوفَ تَحلُمُ أَو تَناهَى ... إِذا ما شِبتَ أَو شابَ الغُرابُ3
وهي أبيات تخلو من الإقذاع في الهجاء المعروف عند الجاهلين، وهو يعمد فيها بذوقه الحضري إلى التهكم به والسخرية منه، فيصفه بالحمق، ويصغر إليه نفسه بتفضيل أبيه وعمه عليه، وينهاه عن الخيلاء، ويؤمله في أنه سوف يحلم حين تتقدم به السن أو لعله لا يحلم أبدًا. وواضح أن الشطر الثاني في البيت الأول حكمة سائرة، وتكثر هذه الحكم عند النابغة يأتي بها في ثنايا شعره وقصيده، فتكون شطرًا كهذا الشطر، وقد تكون بيتًا كالبيت الأخير من هذه الأبيات، وفيما تمثلنا من شعره كثير منها، ومن رائعها قوله:
وَلَستَ بِمُستَبقٍ أَخًا لا تَلُمَّهُ ... عَلى شَعَثٍ أَيُّ الرِجالِ المُهَذَّبُ
ومما لا شك فيه أنه يدل بهذه الحكم على صدق نظرته ودقة حسه.
وجوانب كثيرة في شعر النابغة تفصح عن مهارته في صوغ القصيدة ونظمها، سواء من حيث ألفاظه أو من حيث صوره ومعانيه؛ أما من حيث الألفاظ فإنك لا تقع منها على لفظة نابية؛ إنما تقع على الألفاظ المحكمة المستخدمة في دلالاتها الدقيقة، ولعل ذلك ما جعله يلتزم الألفاظ البدوية الغريبة حين يصف الديار والصحراء والحيوان الوحشي، أما حين يمدح الملوك أو يرثيهم أو يعتذر إليهم فإنه يستخدم الألفاظ المأنوسة الجزلة الناعمة. وهذه البراعة عنده جعلت نقاد العصر العباسي يقولون: إنه "كان أحسن الجاهلين ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتا4". على أنهم لم يلبثوا أن ادعو عليه أنه كان يقوي في شعره محتجين على ذلك ببيت في قصيدة المتجردة التي وُضعت عليه؛ فقد جاء فيها بيت مرفوع الروي؛ بينما رويها المطرد مكسور، ورووا في ذلك قصة، هي أن النابغة قدم
1 أبو براء: عامر بن مالك ملاعب الأسنة وهو عم عامر بن الطفيل.
2 طاميات: فائضات ومرتفعات. ليس لهن باب: لا مخرج منهن.
3 أو شاب الغراب: ضرب النابغة ذلك مثلًا لعامر وأنه لن يحلم أبدًا.
4 طبقات فحول الشعراء لابن سلام ص 46 وانظر الشعر والشعراء 1/ 108.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 297