نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 290
وَتُسقى إِذا ما شِئتَ غَيرَ مُصَرَّدٍ ... بِزَوراءَ في حافاتِها المِسكُ كانِعُ1
وهو في أول هذه الأبيات يقول له: إن وعيدك أتاني وأنا آمن في قومي وبيني وبينك منازل بني أسد ومن وراءهم، فألمت حفظًا للعهد وبت مسهدًا؛ كأنما لدغتني أفعى، وهي صورة بارعة، وقد أخذ يدقق فيها حتى يجسم ألمه، فهي أفعى من الرقش تستودع السم في أنيابها الحادة؛ فمن عضته لم يطف به النوم من شدة الألم، وعلق عليه أهله الحلى والخلاخيل حتى يفيق ويبرأ. وهي من الأفاعي الخبيثة التي قلما أجابت الرقى، وإن الرقاة والحاوين ليرهبونها ويتخوفون من يطأوا حماها. ويصور النابغة للنعمان فزعه حين أتاه أنه يلومه، ويحلف له بأيمانه الوثنية، ويختار هنا الحلف بالإبل التي كانوا ينذرونها لآلهتهم، ويقف ليعطينا صورة عن هذه الإبل؛ فهي تقبل على مكة مسرعة سرعة السمام، حتى لكأنها تباري الريح، وقد أجهدت من السير وطول السفر، حتى إن بعضها سقط في الطريق إعياء، فلم ينبعث ولم يستطع براحًا. وقد بقيت بقية عليها شعث مغبرون يقصدون الحج، وقد أخذها النحول حتى لكأنها القسي الضامرة. وهذا اليمين العظيم يقسم به متنصلًا مما سمع عنه من بعض الوشاة أنه انصرف إلى الغساسنة يمدحهم ويهجوه، وكان حريًّا به أن ينزل سخطه لا عليه؛ وإنما على هذا الواشي وإلا فمثله ومثل من وسوس للنعمان مثل البعير السليم يكوى من الجرب، والأجرب راتع بجانبه لا يصيبه كي ولا أذى. وهي صورة أخرى بارعة، ويقول إن كنت لا تكذب من يضطغن عليَّ ولا تصدق يميني ولا حلفي فما أحراني بالرهبة منك والخوف من بطشك، ويودع ذلك صورة رائعة؛ إذ يتخيل النعمان كالليل، لا مفر لشخص من أن يطبق عليه. وعاد إلى الاستعطاف فصور قصائده التي يرسل بها إليه ليلين قلبه عليه كأنها خطاطيف معوجة ثبِّتت في حبال متينة، وأيدي النابغة تمد بها إليه، تريد أن تظفر بعطفه ورضاه، ويصور له أمانته وأنه لا يخون عهده؛ بينما من يختانون هذا العهد يقربهم ويرعاهم، ويختم اعتذاره إليه
1 مصرد: من التصريد وهو الشرب دون الري. زوراء: كأس طويلة من فضة كان النعمان يتشرب فيها. كانع: لاصق.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 290