responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 223
وإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ ... إذا طلعتْ لم يَبْدُ مْنهنّ كوكب
ومعنى ذلك أن ضيق الدائرة في معانيهم لم يحل بينهم وبين النفوذ منها إلى دقائق كثيرة؛ فقد تحولوا يولدونها ويستنبطون منها كثيرًا من الخواطر والصور الطريفة.
وملاحظة ثانية هي أنهم لم يعرضوا علينا معانيهم الحسية جامدة؛ بحيث تنشر الملل في نفوسنا؛ فقد أشاعوا فيها الحركة، وبذلك بثوا فيها كثيرًا من الحيوية، وما من شك في أن هذه الحركة مشتقة من حياتهم التي لم تكن تعرف الثبات والاستقرار؛ فهم دائمًا راحلون وراء الغيث ومساقط الكلأ، ومن ثَمَّ كانوا إذا وصفوا الحيوان وصفوه متحركًا لا واقفًا جامدًا، وارجع إلى وصف طرفة لناقته فستجده يصفها وهي سائرة به في طريق إلى غاية تصبو إليها نفسه، يقول:
أَمونٍ كأَلْواح الأرَان نَسَأْتُها ... على لاحبٍ كأَنه ظَهْرُ بُرْجُدِ1
وهو يشبه الطريق بكساء مخطط، يجد فيه جمالًا، كما يجد فيها روعة وبهاء؛ فيستمر في وصفها وكأنه تدلَّه بها حبًّا؛ فهو لا يترك شيئًا دون أن يقيده، وكأنه يصنع لها تمثالًا يريد أن يحفره حفرًا في أذهان العرب الذين كانوا يعجبون بنوقهم ويودون لو أتيح لهم من ينصبها لهم تمثالًا بديعًا، وعلى هذا النحو كانوا يصفون خيولهم وكانوا ينتقلون منها ومن وصف النوق إلى وصف النعام وبقر الوحش وثورها والأتن وحمارها ويصورونها لنا وهي تجري في الصحراء تطلب الماء، والصائد إما في طريقها بكلابه أو على الماء مستترًا منها، وما تلبث أن تنشب معركة هائلة لا تقل عن معاركهم هولًا.
وطبيعي أن يفيض هذا الجزء من قصائدهم بحركة واسعة، فالحركة أساسه، وقد يُدخلون هذه الحركة في المقدمة نفسها؛ فالشاعر لا يكتفي بالوقوف بالأطلال وبكاء الديار؛ بل كثيرًا ما يصور ظعن حبيبته وصواحبها في القافلة، وقد خرجت تطلب مرعى جديدًا، فلا تزال متنقلة من موضع إلى موضع وعينُ الشاعر بإزائها تسجل هذه الرحلة الدائبة تسجيلًا بديعًا.

1 أمون: موثقة الخلق، والأران: تابوت لموتاهم، ونسأتها: زجرتها، اللاحب: الطريق البين الواضح الذي أثر فيه المشي.
البرجد: كساء مخطط شبه به طرائق الطريق وما فيه من تعاريج وخطوط وآثار.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 223
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست