نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 135
قريش تحتم أن تكون هي اللغة الأدبية التي كانت سائدة. أما ما يردده اللغويون من أن القرآن الكريم نزل على سبع لغات منها خمس بلغة العَجُز من هوازن، وهم الذين يقال لهم عليا هوازن مثل سعد بن بكر بن معاوية، وثقيف فذلك في رأيي إنما هو تفسير منهم للحديث النبوي: "أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه" فقد فسروا الحرف باللغة أو اللهجة ونظروا فوجدوا لهجات العرب ولغاتها كثيرة، فاختاروا منها سبعًا هي أفصحها، وهي التي كان يرحل إليها اللغويون لجمع مادتهم اللغوية الصحيحة، وقد اختلفوا في بعضها. وفي رأينا أن الحديث لا يراد به تخصيص؛ وإنما يراد به الترخيص لقبائل العرب أن تقرأه بلهجاتها المختلفة متى جاءت بها الرواية الصحيحة من مد وإمالة وتحريك للحروف وتسكين وتشديد تسهيلًا عليهم وتيسيرًا حتى لا يجدوا مشقة وثقلًا في نطق بعض ألفاظه.
روى الرواة عن أبي حاتم السجستاني أنه قال في كتابه الكبير في القراءات: "قرأ علي أعرابي بالحَرم "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طيْبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" فقلت: طوبى، فقال: طيبى، فلما طال عليّ قلت: طوطو قال: طي طي1".
فلم يستطع أن يثني طبعه لأن لهجته القبلية في مثل طوبى مما وزنه فعلى تنطقه طيبى على وزن فعلى بكسر الفاء، فتقلب الواو ياء والضمة في أول الكلمة كسرة.
ولم ينفع في الأعرابي لَفْتُ أبي حاتم ولا تمرينه له على نطق طوبى. ولمثل ذلك تعددت قراءات القرآن الكريم، تخفيفًا للمشقة عليهم في تلاوته. وفعلًا قرأوه بلهجاتهم المرخَّص بها، وكان ذلك سبب اختلاف قراءاته التي دونها العلماء.
ونعتقد أن تفسير الحديث بأن القرآن نزل بسبع لغات معينة هي أفصح لغات العرب هو الذي ضلل المستشرقين؛ فإنهم ظنوا أنه نزل بلغات قبائل نجدية ولم ينزل بلغة قريش، وكأنهم لم يلاحظوا أن نفس هذه القبائل التي عينها اللغويون هي أقرب القبائل إلى قريش، ومن هنا جاءت فصاحتها، ولعل ذلك هو الذي جعل الطبري يذهب إلى أن لغة قريش نفسها كانت تستوعب الأحرف السبعة التي أشار إليها الحديث النبوي. وليس بمعقول أن يترك الرسول لغة قومه الذين بعث فيهم إلى
1 الخصائص لابن جني بتحقيق محمد علي النجار "طبع دار الكتب المصرية" 1/ 75- 76.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 135