responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ آداب العرب نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 156
وقد كان بنو مروان يلزمون أولادهم البادية لينشؤهم هناك على تقويم اللسان وإخلاص المنطق، ومن أجل ذلك قال عبد الملك: أضر بالوليد حبنا فلم نوجهه إلى البادية! والوليد هذا ومحمد أخوه كانا لحانين، ولم يكن في ولد عبد الملك أفصح من هشام ومسلمة؛ وذكروا أنه قيل للوليد يومًا: إن العرب لا تحب أن يتولى عليها إلا من يحسن كلامها، فجمع أهل النحو ودخل بيتًا ليتعلم فيه، فأقام ستة أشهر ثم خرج أجهل من يوم دخل, ومما نقلوا من لحنه أنه خطب الناس يوم عيد, فقرأ في خطبته: "يا ليتها كانت القاضية" بضم التاء، فقال عمر بن عبد العزيز: عليك وأراحنا منك!
وما صار الأمر إلى العباسيين حتى كانت العجمة قد فشت في الحضر وغلبت على السليقة وأصبحت السلامة من الحلن لا تتهيأ إلا بالتصون والتحفظ وتأمل مواقع الكلام، ولذا صاروا يشبهون اللسان الفصيح بأنه لسان أعرابي قح، وكانوا يمسون عثمان البتي النحوي "معاصر للأصمعي" عثمان العربي، من فصاحته واستقامة لسانه؛ ولكن أذى اللحن بقي ثابتًا في الغرائز القوية، حتى ذكروا أن الرشيد كان مما يعجبه غناء الملاحين في الزلالات إذا ركبها، وكان يتأذى بفساد كلامهم ولحنهم؛ فقال يومًا: قولوا لمن معنا من الشعراء يعملوا لهؤلاء شعرًا فيتغنون فيه؛ فقيل له: ليس أحد أقدر على هذا من أبي العتاهية، وهو في الحبس. قال أبو العتاهية: فوجه إلي الرشيد أن قل شعرًا حتى أسمعه منهم؛ ولم يأمر بإطلاقي، فغاظني ذلك؛ فقلت: والله لأقولن شعرًا يحزنه ولا يسر به, ثم عمل شعرًا رقيقًا في الموعظة والتذكير بانصراف الدنيا وانصرام لذتها، يقول فيه:
خانك الطرف الطموح ... أيها القلب الجموح
هل لمطلوب بذنب ... توبة منه نصوح
كيف إصلاح قلوب ... إنما هن قروح
موت بعض الناس في الأر ... ض على قوم فتوح
نح على نفسك يا مسـ ... ـكين إن كنت تنوح
ودفعه إلى من حفظه من الملاحين، فلما سمعه الرشيد جعل يبكي وينتحب، وكان من أغزر الناس دموعًا في وقت الموعظة، وأشدهم عسفًا في وقت الغضب والغلظة.
نقول: ولو أنا أبا العتاهية لم يطرح ظل نفسه على ذلك الشعر وقتئذ وعمل على أن يصيب حقيقة غرض الرشيد، لكان أول واضع في الإسلام للشعر الذي يسمى أغاني الشعب، ولجاء بعده من يأخذ في طريقه ويفتن فيها حتى توضح أغاني الشعب الاجتماعية والسياسية على حقيقتها، ويكون ذلك من أرقى أبواب الأدب العربي، ولكن ظل الشاعر كان في ذلك الغضب ثقيلًا باردًا كأنه قطعة من ظلمة حبسه، أو كأنه ظل شيطاني لا ينبسط إلا ليطوي الأشعة المنبعثة من الأفكار الصالحة[1].

[1] قلت: كان للمؤلف "رحمه الله" أمنية أن يصنع شيئًا يتم به نقص العربية في هذا الباب. وقد بلغ في ذلك مبلغًا فصنع بعض أغنيات لمثل ما يصف، كان يتهيأ لنشرها بعنوان "أغاني الشعب" فلعله يتهيأ لنا أن نذيعها على قراء العربية عن قريب، واقرأ كتابنا "حياة الرافعي" ص65-72.
نام کتاب : تاريخ آداب العرب نویسنده : الرافعي ، مصطفى صادق    جلد : 1  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست