والشياطين وكأنه أحب أن يقال: قوس الله، فيرفع من قدره كما يقال أرض الله وسماء الله. وبقيت أمثال لذلك كثيرة لا نطيل في استقصائها.
أمثلة المولد وكتبه:
وقد علمت أن من المولد هذه المصطلحات التي جاءت بها العلوم، وهي معدودة أيضا من الألفاظ الإسلامية؛ لأنها وضعت في الإسلام، ومنها ألفاظ خاصة بالمتكلمين والرياضيين والفلكيين والأطباء والفقهاء والصوفية وغيرهم، وقد أفردت لها معاجم خاصة بشرحها: ككتاب "التعريفات" للجرجاني، و"كشاف اصطلاحات العلوم" للتهانوي، و"كليات" أبي البقاء، واصطلاحات الصوفية. وأول ما وضع من هذا النوع فيما نظن، كتاب "مفاتيح العلوم" لمحمد بن أحمد الخوارزمي من أهل القرن الرابع، وهو على اختصاره مفيد، جمع فيه مصطلحات أهل العلوم والصناعات المختلفة، ونحن ننقل منه بعض أمثلة توفية للفائدة. فمن ذلك في مواضعات كتاب ديوان الخراج "الحشري" وهو ميراث من لا وارث له -ويعرف في أيامنا بالمحلول- و"الإقطاع" وهو يقطع السلطان رجلًا أرضًا فتصير له رقبتها، وتسمى تلك الأرضون قطائع، واحدتها قطيعة؛ و"الطعمة" وهي أن تدفع الضيعة إلى رجل ليعمرها ويؤدي عشرها وتكون له مدة حياته، فإذا مات ارتجعت من ورثته، والقطيعة تكون لعقبه من بعده. و"التسويغ" وهو أن يترك للرجل شيء من خراجه في السنة، وذلك "الحطيطة والتريكة".
من مواضعات كتاب ديوان الجيش "الأطماع" وتمسى الزرفات: وهي مرتبات الجند، والعمال، و"التلميظ"، وهو أن يطلق لطائفة من المرتزقين بعض أرزاقهم قبل أن يستحقوا، وقد لمظوا بكذا، و"المقاصة" وهي أن يحبس عن القابض لماله ما كان تلمظه أو استلفه.
وقد رأينا لعبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي المتوفى سنة 340هـ كتابًا سماه "الزاهر" يذكر فيه معاني الكلام الذي يستعمله الناس من المولد أو من الألفاظ الإسلامية؛ ويؤخذ من مقدمته أن المفضل أنشأ كتابًا في هذا المعنى سماه "الفاخر" جمع فيه قطعة من اشتقاق ما يكثر في المحاورات والمخاطبات، فعمل محمد بن القاسم الأنباري المتوفى سنة 328هـ في ذلك كتابه الموسوم بالزاهر فصل فيه كتاب "المفضل" وأكثر شواهده وضبطه، فجاء الزجاجي واختصره وأصلح ما فيه من السهو والغلط وكشفه وشرح معانيه. ومما أورده في هذا الكتاب، معنى قولهم: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وألفاظ القنوط والاستغفار، والأذان والتشهد ونحو ذلك؛ وهو يبحث في اشتقاق الكلام ويذكر الأقوال الواردة في معانيه ويرد أكثر ذلك إلى أصله العربي. ومن أمثلته شرحه لقولهم: "بيت مُزَوق" قال أبو العباس ثعلب: معناه: بالزاووق، والزاووق في لغة بعض أهل المدينة: الزئبق، وهو يقع في التزاويق؛ فمزوق مُفَعَّل منه. ا. هـ.
الغريب المولد:
ونريد به في المولد ما يقابل الغريب والحوشي في العربي العتيق، وذلك كالذي اخترعه بعض المفسرين الذين نصبوا أنفسهم للعامة وحطوا في هواهم؛ فإن المفسر كلما أغرب عند العامة كان أحب