إني لأرى الرياض الغناء تهفو أشجارها، وترن أطيارها، وأرى جداول الماء تنساب بين أنوارها وأزهارها انسياب الأفاعي الرقطاء، في الرمال البيضاء، وأرى أنامل النسائم تعبث بمنثورات الأوراق، عبث الهوى بألباب العشاق، وأسمع ما بين صفير البلابل، وخرير الجداول، نغمات شجية تبلغ من نفس الإنسان، ما لا تبلغ أوتار العيدان، فلا يسرني منها منظر ولا يطربني مسمع، لأني لا أرى بين هذه المشاهد التي أراها ضالتي التي أنشدها.
لقد سمُج وجه الرذيلة في عيني وثقل حديثها في مسمعي حتى أصبحت أتمنى أن أعيش بلا قلب؛ فلا أشعر بخير الحياة وشرها، وسرورها وحزنها.
ولولا بنيات صغار يفقدن بفقدي طيب العيش ونعيمه لفررت من هذا العالم الناطق إلى ذلك العالم الصامت؛ فأجد من الأنس به والسكون إليه ما وجده الذي يقول:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير