بجانبك أصبُّ في فمك ذلك السائل الأصفر قطرة قطرة، والقدر ينتزع من بين جنبيك الحياة قطعة قطعة، حتى نظرت فإذا أنت بين يدي جثة باردة لا حراك بها، وإذا قارورة الدواء لا تزال في يدي، فعلمت أني قد ثكلتك، وأن الأمر أمر القضاء، لا أمر الدواء.
سأنام يا بني بعد قليل على فراش مثل فراشك، وسيعالج مني المقدار وما عالج منك، وأحسب أن آخر ما سيبقى في ذاكرتي في تلك الساعة من شؤون الحياة وأطوارها، وخطوبها وأحداثها، هو الندم العظيم الذي لا أزال أكابد ألمه على تلك الجرع المريرة التي كنت أجرعك إياها بيدي، وأنت تجود بنفسك فيربد وجهك، وتختلج أعضاؤك، وتدمع عيناك، وما لك يد فتستطيع أن تمدها إلي لتدفعني عنك، ولا لسان فتستطيع أن تشكو إلى مرارة ما تذوق.
لقد كان خيرًا لي ولك يا بني أن أكل إلى الله أمرك في شفائك ومرضك، وحياتك وموتك، وألا يكون آخر عهدك بي يوم وداعك لهذه الدنيا تلك الآلام التي كنت أجشّمك إياها، فلقد أصبحتُ أعتقد أنني كنت عونا للقضاء عليك، وأن كأس المنية التي كان يحملها لك القدر في يده لم تكن أمر مذاقا في فمك من قارورة الدواء التي كنت أحملها لك في يدي