مسجدهم. وأخذ بعد ذلك يفند أثر الأدب في العلوم اللغوية والدينية وغيرها بحيث استنفذ من النظرات ما يقرب من أربعين صفحة.
كان ابن ثلاث عشرة سنة حين دخل الأزهر، واتصل وهو فيه بالإمام الشيخ محمد عبده وتتلمذ عليه في سنيه الأخيرة، وتلقى عنه دروسه العلمية والدينية التي كان يلقيها الشيخ على الطلبة، وذكروا عنه أنه كان من أنجب تلاميذه، فأحبه محمد عبده وأصبح المنفلوطي من أخص أصدقائه، وكان الشيخ يجله ويعجب به كثيرا، وحين أخذ بعض علماء الأزهر يقاومون الإمام محمد عبده وطرقه في تعليم الدين، والتفسير انبرى المنفلوطي يدافع عنه وينقذهم وينقذ طرقهم، ولما توفي الشيخ الإمام حزن عليه المنفلوطي حزنا عظيما ورثاه وانقطع عن الأزهر دون أن يحصل على شهادة العالمية منه، وعاد إلى بلده منفلوط فعاش فيها بضع سنين مشتغلا بأعماله الخاصة.
ثم بدأ في سنة 1907 بمراسلة جريدة المؤيد برسائله التي كان ينشرها أسبوعيا تحت عنوان
المقدمة:
يسألني كثير من الناس كشأنهم في سؤال الكتاب والشعراء، كيف أكتب رسائلي؟ كأنما يريدون أن يعرفوا الطريق التي أسلكها إليها فيسلكوا معي، وخير لهم ألَّا يفعلوا، فإني لا أحب لهم ولا لأحد من الشادين في الأدب أن يكونوا مقيدين في الكتابة بطريقتي أو طريقة أحد من الكتاب غيري، وليعلموا إن كانوا يعتقدون لي شيئا من الفضل في هذا الأمر أني ما استطعت أن أكتب لهم تلك الرسائل التي يعلمونها بهذا الأسلوب الذي يزعمون أنهم يعرفون لي الفضل فيها إلا لأني استطعت أن أتلفت من قيود التمثل والاحتذاء، وما نفعني في ذلك شيء ما نفعني ضعف ذاكرتي، والتواؤها علي وعجزها عن أن تمسك إلا قليلًا من المقروءات التي كانت تمر بي، فلقد كنت أقرأ من منثور القول ومنظومه ما شاء الله أن أقرأ، ثم لا ألبث أن أنساه فلا يبقى منه في ذاكرتي إلا جمال آثاره وروعة حسنه، ورنة الطرب به، وما أذكر أني نظرت في شيء من ذلك لأحشو به حافظتي، أو أستعين به على تهذيب بياني، أو تقويم لساني، أو تكثير مادة علمي باللغة والأدب، بل كل ما كان من