البعوض سيئ التصرف في طلب العيش؛ لأنه لا يسقط على الجسم إلا بعد أن يدل على نفسه بطنينه وضوضائه، فيأخذ الجالس منه حذره ويدفعه عن مطلبه أو يقتله قبل البلوغ إليه، فمثله في ذلك مثل بعض الجهلة من أصحاب المطالب السياسية يطلبون المآرب النافعة المفيدة لأنفسهم ولأمتهم, غير أنهم لا يكتمونها ولا يحسنون الاحتفاظ بها في صدورهم ولا يبتغون الوسيلة إليها إلا بين الصراخ والضجيج، ولا يمسكون بالحلقة الأولى من سلسلتها حتى يملئوا الخافقين بذكرها، ويشهدوا الملأ الأعلى والأدنى عليها، وهناك يدرك عدوهم مقاصدهم فيعد لها عدتها ويتلمس وجه الحيلة في إفسادها عليهم هادئا ساكنا من حيث لا يشعرون.
البعوض خفيف في وطأته، ثقيل في لذعته، فهو كذلك الصاحب الذي يسرك منظره، ويسوءك مخبره، يلقاك بابتسامة هي العذب الزلال، عذوبة وصفاء، والسحر الحلال، جمال وبهاء، وبين جنبيه في مكان القلب صخرة لا تنفذها أشعة الحب، ولا يتسرب إليها ماء الوفاء، يقول لك: إني أحبك؛ ليغلبك على قلبك، ويملك عليك نفسك، فإن تم له ما أراد سلبك مالك إن كنت من ذوي المال، أو استخدم جاهك إن كنت من ذوي الجاه،